للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

( ... أخبرنا ابن وهب، قال: سئل مالك بن أنس عن الإيمان، فقال: قولٌ وعملٌ، قلت: أَيزيدُ وينقصُ؟ قال: قد ذكر الله سبحانه في غير آي من القرآن أَنّ الإيمان يزيدُ، فقلت له: أَينْقُصُ؟ قال: دع الكلام في نُقصانِهِ وكفَّ عنه، فقلتُ: فبعضُه أَفضل من بعض؟ قال نعم) (١)

فالإمامُ مالك كما هو ظاهرُ الرِّواية كفَّ عن القول بالنقصان في الإيمان، ولم يجزم، وعلة توقفه كما هو ظاهر السياق؛ أَن النَّقْصَ لم تنطقِ الآياتُ بذكره، فلم يُرِدِ الخوض فيما لم يُصرَّح بذكره في القرآن، وبرهان ما سبق، أنَّه - رحمه الله -، لمّا سئل عن الزيادة، أجاب بأن الله قد ذكر ذلك في غير ما آية أن الإيمان يزيد، فمستنده في القول بالزيادة هو مادلت عليه النصوص، ومستنده بالتوقف عدم وقوفه على ما يدل على الزيادة، ولذا قال شيخُ الإسلام: (وكان بعضُ الفقهاءِ من أَتباع التابعين، لم يوافقوا في إطلاق النقصان عليه؛ لأنّهم وجدوا ذكر الزيادة في القرآن، ولم يجدوا ذكر النقص، وهذا إحدى الرِّوايتين عن مالك) (٢)

ومن هنا يتبيَّن سبب توقف الإمام مالك -رحمه الله-، وأنّه انطلق في توقفه من منطلق التمسك بالوارد، والكفّ عمّا لم يرد، وأمَّا الاعتلال بأنَّ توقفه ناشئ عن القول بأن النقص في التصديق يستلزم ذهاب جميعه وأنّه خَشي أن يتأوَّل عليه موافقة الخوارج (٣) =فهذا ما لا يدلُّ عليه سياق كلامه، ثم إنّ التصديق مما يقبل التفاوت كما سيأتي بيان ذلك -إن شاء الله-.


(١) "الانتقاء في فضائل الأئِمة الثلاثة الفقهاء"للإمام ابن عبد البرِّ (٦٩) وقد روي عنه أَيضًا من طريق ابن القاسم، نقلها عنه ابن عبد البرّ في التَّمهيد (١٥/ ٥٥)،و القاضي عياض في= =ترتيب المدارك (٢/ ٤٣)،وانظر: الرِّواية الأخرى المُثبتة لنقص الإيمان"شرح صحيح البخاري"لابن بطال (١/ ٥٧)
(٢) "مجموع الفتاوى" (٧/ ٥٠٦)
(٣) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (١/ ٥٧)

<<  <   >  >>