للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الشُّبهة لم تختص -كما تقرر من قبل- بالوعيديَّة؛ بل إنَّ المرجئة تُسلّم بهذا الأصل أَيضًا؛ لذا يُقرِّر أبو المعالي الجويني ذلك بقوله: (فإن قيل: فما قولكم في زيادة الإيمان ونقصانه؟

قلنا: إذا حملنا الإيمان على التصديق فلا يفضل تصديق تصديقًا، كما لا يَفْضُل علم علمًا، ومن حَمَله على الطاعة سرًّا وعلنًا، وقد مال إليه القلانسي= فلا يبعد على ذلك إطلاق القول بأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية = وهذا مما لانؤثره) (١)

فقوله: (فلا يفضل تصديق تصديقا، كما لا يفضل علم علما) دليلٌ واضح على استقرار تلك الشبهة عنده وهي استحالة وقوع التفاوت في حقيقة الإيمان.

وأمَّا سيفُ الدِّين الآمدي فقد أَبان عن أنَّ من جعل الإيمانَ خصلةً واحدةً، فإن الزيادةَ والنقص لا تتواردان عليه إلا من جهات أُخرى خارجة عن حقيقته، وانظر إليه حين يقول: (ومن فسَّره بخصلة واحدة من تصديق، أو غيره فإنَّه لا يقبل الزيادةَ والنقصان، من حيث هو خَصْلةٌ واحدةٌ، اللَّهم إلا أن ينظر إلى كثرة أعداد أشخاص تلك الخصلة وقلتها في آحاد الناس =فإنَّه يكون قابلًا للزيادةِ والنُّقصان على ماحققناه من قبلُ) (٢)

ويقول الرَّازي: (الإيمانُ عندنا (٣) لايزيد ولاينقص؛ لأنه لمّا كان اسمًا لتصديق الرسول في كلِّ ماعُلم بالضَّرورة مجيئُهُ به = وهذا لا يقبل


(١) "الإرشاد"للجويني (٣٩٩)
(٢) أبكار الأفكار (٥/ ٢٣ - ٢٤)، و الآمدي (٥٥١ - ٦٣١ هـ):هو علي بن أبي علي بن محمد الثعلبي، المعروف بـ أَبي الحسن سيف الدِّين الآمدي، أُصوليٌّ مُتكلِّم، من تصانيفه: "الإحكام في أصول الأحكام"،و"منائح القرائح"=انظر: طبقات الشَّافعية (٨/ ٣٠٦)
(٣) أي عند الأشاعرة

<<  <   >  >>