كان منهيًّا عنه؛ كان التوسّل إليه محرّمًا؛ وهذا من باب سدّ الذرائع. وأمَّا ما كان مأمورًا به، فلا بدّ أن يكون له طريق، لكن لا يجب أن يجوز التَّوسُّل إليه بكل طريق؛ بل لو توسَّل الإنسانُ إلى الطاعة بما حرّمه الله؛ مثل الفواحش، والبغي، والفجور، والشرك به، والقول عليه بغير علم = لم يجز ذلك. . .وإتيان المساجد للجمعة والجماعة من أفضل القربات، وأعظم الطاعات، وهو إمّا واجبٌ، أو سُنّة مؤكّدة. . . ولو أراد مع هذا أن يسافر إلى غير المساجد الثلاثة ليصلّي هناك جمعة أو جماعةً = لم يكن هذا مشروعًا؛ بل كان محرّما عند الأئمة والجمهور. ولو نذر ذلك لم يوفِ بنذره عند أحد من الأئمة الأربعة، وعامّة علماء المسلمين ...
وقوله - أي الإخنائي -: كيف تكون الرحلة إلى القُربة معصيةً محرَّمة؟
يقال له: هذا كثير في الشريعة؛ كالرحلة إلى الصلاة، والاعتكاف، والقراءة، والذكر في غير المساجد الثلاثة. فإنّ هذا معصية عند مالك والأكثرين؛ كما لو رحلتْ المرأة إلى أمرٍ غير واجب بدون إذن الزوج؛ كحجّ التطوّع فإنها رحلة إلى قُربة؛ وهي معصية محرَّمة بالاتفاق.
وكذلك العبد لو رحل إلى الحج بدون إذن سيّده = كان رحيله إلى قُربة، وكان معصيةً محرَّمةً؛ بالإجماع.
ففي مواضع كثيرة يكون العمل طاعةً إذا أمكن بلا سفر، ومع السّفر لا يجوز. وصاحبُ الشرع قد قال:(لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) ومعلومٌ أنّ سائر المساجد يستحبُّ إتيانُها بلا سفرٍ؛ فهذا هو الفرقُ، وهو ثابتٌ بنصّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -) (١)