وقع في التناقض، وكان فعله من جنس فعل النصارى الذين كذّبوا المسيح عليه السلام في إخباره عن نفسه بالعبودية، فادّعوا فيه الربوبية.
ثم إنه يقال: إن نتيجة مقدمتي القياس المذكور؛ إن أُخِذتا على إطلاقهما = هي: أنّ زيارة القبر واجبة؛ فيلزم من هذه النتيجة لوازم فاسدة، فيلزم منها أن تارك هذه الزيارة عاصٍ، مستحقٍّ للذم والعقوبة، منتفية عدالتُه؛ فلا تصحّ شهادتُه، ولا روايته. وفي هذا تفسيق لمن لم يُعرف عنه زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا أقبح من قول الرافضة؛ فالرافضة كفّروا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ نفرًا منهم. وهؤلاء بلازم قولهم يكفّرون جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛لكونهم تركوا شد الرحل إليه، وهو تعظيم، وتارك تعظيمه صلى الله عليه وسلم كافرٌ. إذْ لم يُعرَف عن أحدٍ منهم أنه شدّ رحاله لزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم -، ولا زيارة قبر غيره.
بل لازمُ قولهم شرٌّ من قول الخوارج؛ إذ الخوارج يكفّرون بالكبيرة التي حقيقتُها مخالفةُ مقصودِ الشارع، وهؤلاء المقابرية يكفّرون من أطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ووافقَ قصدَه! إذْ زيارتُه على قولهم واجبةٌ، وترْك التعظيم كفرٌ (١) .
ثم؛ إنه بقولهم هذا: جعلوا زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - وشدّ الرحال إليه آكدُ من الهجرة إليه في حياته - صلى الله عليه وسلم -.
يقول الإمام ابن عبد الهادي - رحمه الله -: (إذا كانت زيارة قبره واجبةً على الأعيان؛ كانت الهجرةُ إلى القَبْر آكدُ من الهجرة إليه في حياته؛ فإن الهجرة إلى المدينة انقطعت بعد الفتح. . . . وعند عُبّاد القبور: أن الهجرة إلى القبر فرض عينٍ على من استطاع إليه سبيلًا. وليس بخافٍ أنّ هذا مراغمةٌ صريحةٌ لما جاء به الرسول وإحداثٌ في دينه ما لم يأذنْ به،