للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العاشر: أَن النبي لا يأمر إلَاّ بمصالح العباد في المعاش والمعاد، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؛ فيأمر بالتوحيد، والإخلاص، والصدق، وينهى عن الشّرك، والكذب، والظلم. فالعقول والفِطرُ توافقه؛ كما توافق الأَنبياء قبلَه؛ فيصدِّقه صريح المعقول وصحيح المنقول الخارج عما جاء به) (١)

وأَمّا الكشف عن مدى مخالفة من أنكر حقيقة السحر؛ للضرّورة الحسِّية، فيقال: الأُمم بشتى دياناتهم، وأَعراقهم، واختلاف وديارهم يُثْبتون أنّ للسحر حقيقة، لما يُشاهدونه من آثاره في الواقع من عوارض تُلحق بالمسحور أَلمًا يجده في نفْسه، أَو تصيبه في عقله، أَو تُفرِّق بينه وبين أَهله، أَو تقتله، ولذا ترى الفقهاء يعقدون في مُصنَّفاتهم للسحر مسائل (٢)، ويبحثون في حكم الآثار المترتبة عليه، فيبحثون مثلًا في التكييف الفقهي لمن قَتَلَ بسحره، والتكييف الفقهي أَيضًا في حكم الساحر من جهة ارتداده وكفره؛ فلو لم يكن للسِّحرِ حقيقة لما بلغ أَثرُهُ إلى حدِّ القتل، وإيقاع التفريق، وإزالة العقل، فالمشاحةُ في ذلك، وإنكاره يُعدُّ مخالفةً لما هو مقتضى الضّرورة الحسيّة.

لذا يقول الإمامُ ابن قتيبة متعجِّبًا من قالة هؤلاءِ: (ونحن نقول: إنَّ الَّذي يذهب إلى هذا، مُخالفٌ للمسلمين، واليهود، والنَّصارى، وجميع أَهل الكتاب، ومخالفٌ للأمم كلِّها: الهند -وهي أَشدُّها إِيمانًا بالرُّقى-، والرُّوم، والعرب في الجاهليّة والإِسلام .. ) (٣)


(١) "النبوات" (١/ ٥٥٨ - ٥٥٦٠) بتصرّف، وانظر أَيضًا ذات المصدر (٢/ ١٠٧٤ - ١٠٩٠)
(٢) انظر على سبيل المثال: "المغني" لابن قدامة (١١/ ٤٥٥)، و "روضة الطالبين" للنووي (١٥٨٩)، و"البيان شرح المهذَّب " للعمراني (٩/ ٦٧)
(٣) "تأويل مختلف الحديث" (٢١٠) وانظر: "الحجّة في بيان المحجّة"للأَصبهاني (١/ ٥٢١)

<<  <   >  >>