ويقول أَبو العبَّاس القرطبي:(وبالجملةُ: فهو أَمرٌ مقطوعٌ به بإخبار الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عن وجوده، ووقوعه. فمن كذَّب بذلك؛ فهو كافرٌ، مُكِّذبٌ لله ولرسوله، منكرٌ لما عُلمَ مُشاهدةً وعِيانًا. ومنكر ذلك: إن كان مستسرًّا فهو زنديق، وإن كان مُظْهرًا فهو مرتدَّ)(١)
والذي ينبغي الإِشارةُ إليه: أَنَّه مع إنكار أهل العلم على المعتزلةِ ومن تأثَّر بهم في إنكار أَن يكون للسحر حقيقة =إلَّا أَنّه ينبغي أَن يُعلم أَنّ هناك فرقًا بين أن يكون كلُّ صور السِّحر هي من قبيل التخييل الذي لا حقيقة فيه، وبين أَن يكون سحر التخييل ضَربًا من ضروب السِّحر مع وجود مع ما هو حقيقة لا خيال فيه.
فالّذي يُنكره أَهل السُّنّة ومن وافقهم هو الأوَّل لا الثَّاني، فأهل السُّنَّة والجماعة يُقرِّرون أَنّ السحر منه ما هو تخييل، ومنه ما هو حقيقة، ومن قال من أهل العلم: إن السحر حقٌّ، ثم ذهب يستدلُّ على حقيقته بمثل قوله تعالى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦)} طه. فمراده -والله أَعلم - أَن هذا النَّوع من السحر خيال بالنِّسْبَة لما يقع في العين من تحرُّك العِصّي والحبال، حقيقة من جهة ما يقع في قلب النَّاظر إليها من الرَّهبة، والخوف، والاشتباه في أَمره، ومما يدلُّ على ذلك قوله تعالى: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)} الأعراف.
فَوصْفُ الله لما جاؤوا به بالعِظَم، هو بالنسبة لما أحدثه تخييلهم، وصنيعهم من أَثرٍ في أَنفُسِ الحاضرين الّذين خُيِّل لهم تحرُّك تلك العصي والحبال وكأنّها تسعى حقيقة. لا أَن التخييل هو في نفس الوقت كان حقيقة، فإنَّ هذا لايقوله أحد؛ إذ هو جمع بين النقيضين، وذلك ممتنع عقلًا.