للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استأثر الله بعلمه من أسمائه وصفاته، وغير ذلك مما لم يرد تعيينه في النَّقل.

فاستبان لك أَن المنافاة بين الدليلين غير واقعة، وإنما تَتحقق المنافاة إمَّا بين عَقْلٍ مدخولٍ وبين نقلٍ صحيح -وهذا الصنف من التعارض، هو المراد تناوله في هذه الدِّراسة-، أو بين نَقْلٍ منحولٍ وبين عقلٍ صريح. فمفهوم العقل والنقل كلاهما دخلته مادة من الاشتباه والإجمال (١)؛ إذْ كل طائفةٍ أَصَّلت لها أُصولا بدعية، جعلتها عَقلًا تتمعْقلُ به على الدَّلائل الشرعيَّة، فما وافقه قُبِلَ، وما خالفه رُدّ.

والأَصْلُ الجامع الذي ينتظم المخالفين لأهل السنة مع تفاوت رُتَبِهم في مُفارقة الدَّلائل الشَّرعيَّة =هو اعتقادهم بأوّلية العقل على النقل؛ بدءًا بالمدارس الكلامية والفلسفيّة، وانتهاءً بالمدرسة الخَلَفيَّةِ المعاصرة بشتى طوائفها.

وبسَوْق أحرفهم في هذا المقام يتجلى لك ما سبق ذكره.

فمِن أوائلِ الفرق التي قُرن اسمها مع العقل غلوًّا في توظيفه =المعتزلة. ومن شواهد هذا الانحراف في توظيف العقل، ماتراه منقولًا عن أئمَّة المعتزلة.

فالنظَّام يُقرِّر أَنَّ العَقْلَ في رُتبة الدَّليلِ النَّقلي بالنَّظر إلى إمكان نسخ


(١) انظر: "مجموع الفتاوى"لشيخ الإسلام ابن تيمية (١٦/ ٤٦٩)

<<  <   >  >>