للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأَخبار به، فتراه يقول: (إنّ جهةَ حُجّة العَقْلِ قد تنسخ الأخبار) (١)

ويقول القاضي عبد الجبَّار الهمداني: (وإذ قد عرفت ذلك؛ فاعلم أنَّ الدَلالةَ أَربعةٌ: حُجّةُ العقلِ، والكتاب، والسُّنّة، والإجماع. ومعرفةُ الله لا تُنالُ إلَاّ بِحُجّة العقل) (٢)

ويقول الزَّمخشري في مَعْرض تفسيره لقوله تعالى: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)} يوسف: ({وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} يُحتاجُ إليه في الدِّين؛ لأنَّه القانون الَّذي يستنِد إليه السُّنّة، والإجماع، والقياس بعد أدلة العقل) (٣)

وبهذه النُّصوص يتبين أَنّ المعتزلة تجعل العقلَ حجةً ودليلًا مُستقلًا، وتُقَدِّمه على سائر الأدلة.

وهذا التقديم وإن لم تدَّعِ المعتزلة بأنّه تقديم رتبة وتفضيل لأنّه لا يُعرف عن أحد منهم -فيما أعلم- التنصيص على أَفضليَّته على الدَّلائل الشرعية من كتابٍ وسنّة صَراحةً = إلَّا أنَّ تصرُّفاتِهم العملية برهان يدل على جعلهم العقل حاكمًا على النُّصوص، ويظهر ذلك فيما يتناولونه من الدلائل السّمعية، فأمَّا الدَّلائل القُرآنيةُ، فلكونها قطعيةَ الثُّبوت لم يستطيعوا ردَّها، بل اكتفوا بتطريق الاحتمالات على دلالاتها


(١) انظر: "تأويل مختلف الحديث"لابن قُتيبة (٤٧)
(٢) "شرح الأصول الخمسة"للقاضي عبد الجبار (٨٨)،والقاضي عبد الجبار (ت ٤١٥ هـ): هوعبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، أبو الحسن الهمداني الأسدآباذي الشّافعي القاضي، أُصولي متكلم تُلقبه المعتزلة بـ"قاضي القُضاة" من أئمة المعتزلة، من تصانيفه "شرح الأصول الخمسة"،و"تنزيه القرآن عن المطاعن"=انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" (٥/ ٩٧)
(٣) "الكشَّاف"للزمخشري (٥٣٣)،والزمخشري (٤٦٧ - ٥٣٨ هـ): هو محمود بن عمر بن محمد= =الخوارزمي الزمخشري، جار الله، أبو القاسم، من أئمة المعتزلة له اليد الطولى في علوم اللغة والبلاغة، من تصانيفه: "أساس البلاغة"،و"المقامات"=انظر: "الأعلام" (٧/ ١٧٨)

<<  <   >  >>