للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُنْسجُ على منواله إذ يبقى أنّه عقل وليد التديُّن لا التساؤل، فهو -بحسب زعمه - ابن الله والوحي! فتراه يقول: (ومن هنا قالت المعتزلة: إنَّ العقلَ لا النَّقل هو الّذي يحكم على العالم، ويُقرِّر طبيعة الصِّلة بينه وبين الله. فالكونُ عقلي، والدِّين نفسه لا قيمة له إِنْ تناقض مع العقل. كان هذا تحوَّلًا حاسمًا في تاريخ الفكر العربي، فلقد أخذ الإنسانُ يجْرؤ على أَن يُخضع الوجودَ كلَّه، المادي والغيبي، لمقاييس العقل وأَحكامه، بعد أن كان الامتثال السَّلفي -التقليدي هو الّذي يسود الحياةَ والفِكرَ. . . .ومع ذلك لم يكن ممكنًا أن تنشأ الفلسفةُ العقلانيَّةُ بمعناها الخالص الجذري، استنادًا إلى حركة الاعتزال بحدِّ ذاتها؛ لسببين:

الأَوَّل: هو أَن العقل العربي، حتَّى في صيغته الاعتزالية، لم يَنفِ، في تفسيره ظواهر الطبيعة، الفعل الإلهي المستمر المباشر في الطبيعة. . .

والسَّببُ الثَّاني: هو أَنَّ هذا العقل ظل إيمانًا -أي ظلَّ ينطلقُ من مُقدِّمات شرعيّة يفرضها صحيحة لاشك فيها، وهذا يعني أَنَّه ظلَّ أُسطوريًّا. .فالعقل العربي وليد التديُّن لاالتساؤل؛ إنَّه ابن الله والوحي، وليس ابن الإنسان والطبيعة) (١)

=وأَمَّا الأَشاعرةُ فتجد الجويني يحدّد معالم ما يدرك بالسَّمَعِ والعقل من العقائد، وما ينفرد كل دليل منهما بتقريره:

(اعلموا -وفقكم الله - أنَّ أُصول العقائدِ تنقسمُ إلى:

- ما يُدركُ عقلًا، ولا يَسوغُ إِدراكه سَمْعًا.

- وإلى ما يُدركُ سمعًا ولا يتقدَّر إدراكه عقلًا.

- وإلى ما يجوزُ إدراكه سمعاً وعقلًا.


(١) "الثَّابت والمُتحوِّل"لأدونيس (١/ ١٢٦ - ١٢٨) وانظر: "الفكر الإسلامي نقد واجتهاد"لمحمد أركون (٢٣٦)

<<  <   >  >>