للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذلك؛ فـ (محمد فريد وجدي) يعدّ السيرَ على سَنَن هؤلاءِ، إقامَةً للتثبُّت، ومحافظةً على الدستور العلمي، واحترامًا للنخبة المثقفة بزعمه، فتراه يقول: (وقد لاحظ قرّاؤنا أننا نحرصُ فيما نكتبُه في هذه السيرة على أن لا نُسرِف في صرفِ كلّ حادثةٍ إلى ناحية الإعجازِ؛ ما دام أنه يمكن تعليلُيها بالأسباب العادية؛ وحتى ولو بشيءٍ من التكلُّف؛ مسايرةً لمذهب المبالغين في التثبُّت، والمحافظين على إقامة الدستور العلمي؛ ثقةً منّا بأنّ بحثًا لا تتحرّمه النخبة المثقفة، ولا تجدُ فيه صورةً صحيحةً لِمَثَلِها الأعلى في عَرْض المسائل وتحليلها؛ لا يمكن أن يؤدّي إلى ما قُصِد منه من الخدمة العامة!) (١)

ثم إنَّ هذه الآيات الخارقة للسُّنن؛ مع عدم قُدرة أَصحاب المنهج المادِّي الاستدلال عليها، هي أَيضًا -في نَظَرهم-ليست دلائلَ عقلية مستلزمة لصدق النبي؛ وهذا منصوص عليه عند كثير منهم فـ (محمد هيكل) يقرر ذلك بقوله: « .. وكانت يقظَةُ العقلِ ومنطقُه قد نبّهت الناسَ إلى أن الخوارقَ لا تنهضُ بذاتها دليلًا عقليًّا على شيءٍ». (٢)، و (لو أراد اللهُ أن تكونَ المعجزةُ الماديّةُ وسيلةً إلى اقتناعِ مَنْ نزلَ الإسلامُ على رسوله بينهم؛ لكانت، ولَذَكَرَها في كتابه (٣)

وبهذا المأخِذ -الَّذي يزعمونه-: دَنْدَنَ (حسن حنفي) ظنًا منه في متانته وجدواه، حيث قال مستفهِمًا مستنكرًا: (فهل تؤدّي المعجزةُ إلى تصديق الرسول؛ وهي برهانٌ خارجيٌّ عن طريق القدرة، وليس داخليًا عن طريق اتفاقها مع العقل، أو تطابُقِها مع الواقع؟!) (٤)


(١) "المصدر السابق".
(٢) " حياة محمد " (٥٦٩)
(٣) المصدر السابق (٧٢)
(٤) " من العقيدة إلى الثورة "حسن حنفي (٤/ ٧٢)، وانظر كذلك: "النُّبوَّة من علم العقائد إلى فلسفة التَّاريخ"لعلي مبروك (٢٢٤)

<<  <   >  >>