للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاعتراض؛ قد سبقهم إليه (ابن رشد الحفيد) -مع تباين المنطلق -فقد ذهب إلى أن دليلَ صِدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان نابعًا من مضمون الرسالة؛ فانحصرَ برهانُ صدق النبي على الدليل الداخلي؛ وهو ما كان مُناطًا بالعلوم والشرائع التي تضمّنها الوحيُ. وأمّا ما كان - في نظره - خارجًا عن مضمون الرِّسالة من الآيات الخارقة؛ فليست ضرورية في دلالتها على الصدق لمن ادّعى النبوّة؛ إلاّ في حالة اقترانها - أو بالأصحّ: اعتمادها - على الدليل الأوّل؛ وهو ما تضمّنه الوحي من الشرائع (١)؛ فالعقل - عنده - لا يدركُ مدى الارتباط بين الآية والبرهان، وبين صِدقِ مَنْ وقعتْ له!! (٢) .

وممّا استندوا إليه أَيضًا في إنكار الآيات والبراهين: أن هذه الخوارق - لو ثبتتْ -؛ لكان إيمانُ مَنْ آمنَ بها لم يكن عن حريّة واختيار؛ بل عن جبرٍ واضطرار (٣) فهم يرون الآيات والبراهين قدْحًا في العقل وفي ما يزعمونه قوانين الطبيعة (٤) . ويرون أن إثباتَها شُبهةٌ؛ لا حُجّةٌ على الخلق (٥)؛ بل إنَّ الشيخَ محمد رشيد رضا حين تحدّث عن آيات الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم؛ قال: (وهي - أي آيات الأنبياء - قد أصبحت في هذا العصر حجةً على دينهم؛ لا له، وصادّةً للعلماء والعقلاء عنه؛ لا مُقنِعةً به. ولولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيّد بها موسى وعيسى - عليه السلام -؛ لكان إقبالُ أحرار الإفرنج عليه أكثر، واهتداؤهم به أعمَّ وأسرع ... ) (٦)

وبعدُ؛ فهذه نُبَذٌ مما جرتْ به أقلامُ هؤلاء الطاعنين في آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - الظاهرة، وبراهين نبوّته الباهرة؛ التي أيّده الله بها.


(١) انظر: " الكشف عن مناهج الأدلّة "لابن رشد (١٨١)
(٢) "المصدر السابق" (١٧٤ - ١٧٥، ١٧٧)
(٣) انظر: " القرآن ومشكلات حياتنا المعاصرة " لمحمد أحمد خلف (٧٦ - ٧٧) وعنه: " الاتجاهات العقلانية الحديثة (٢١٦)
(٤) انظر: " من العقيدة إلى الثورة " (٤/ ٧٧)، و " حياة محمد "لمحمد هيكل (٧٢)
(٥) انظر: " حياة محمد " (٧٠)، وما نقله محمد هيكل عن مجلة المنار، عن محمد رشيد رضا. حيث تابَعَهُ محمد هيكل في ذلك؛ بأن جعل الروايات الدالة على آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - مُزيغةً للقلوب؛ لا مثبّتةً لها!!
(٦) " الوحي المحمدي "للشيخ محمد رشيد رضا (٣٠)

<<  <   >  >>