للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- بالمنهج ذاته - بطلان الآيات والبراهين؛ وهذا ما يتعذّر عليهم؛ لأنّ الحسّ والتجربة - كما تقدّم - لا يملكان نفْيَ هذه الآيات؛ كما أنهما لا يملكان إثباتها.

ثالثًا: أن نفي الآيات والبراهين لكونها بطريق النقل لا التجربة؛ يلزم منه نفي كثير من الحقائق التجريبية التي لم يباشرْها أكثر الناس، ولم يدركوها بحواسِّهم؛ لأنها إِنَّما نُقِلت إليهم نقلًا عمّن جرّبها (١)؛ فنفيُ الأوّل دونَ الثاني تحكُّمٌ لا دليلَ عليه.

رابعًا: أن غاية المنهج الوضعي - حسب مفهوم مؤيديه -: إثباتُ ما كان داخلًا في الحس والتجربة؛ فالحكم إذًا على هذه الآيات والبراهين بالبطلان خروجٌ عن مفهوم هذا المنهج ووقوع في التناقض؛ لأن الحكمَ بالصِّحة والبطلان تحكّم ميتافيزيقي ليس من أُصُولِ هذا المنهج، ولا من شأنه. (٢)

خامسًا: أنّهم يعتمدون في نفيهم الآياتِ والبراهين؛ على دعوى أنها لم تخضع للتجربة والمشاهدة؛ فإنّ هذه الدعوى أَيضًا تنسحبُ على وجودِ الله تعالى، ووجود الملائكة، والجنة، والنار، والجنّ، وكل ما لم يدركوه بالمشاهدة، ولم يتحقّق لهم بالتجربة.

سادسًا: أن الاعتراض بأن العقلَ لا يُدرِك الارتباط بين المعجزة، وبين صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ اعتراضٌ باطل؛ لأَنَّ دلالة المعجزةِ على مدلولها (صدق الرَّسول) دلالةٌ ضرورية لجَمْعها بين دلالة الحسِّ والعقل فهي من أَقوى أَنواع الدَّلالات لجمعها بين الأَمرين.


(١) انظر: " الردّ على المنطقيين " (٣٨٨ - ٣٨٩، ٣٩٣ - ٣٩٤)
(٢) انظر: "الفكر المادي الحديث وموقف الإسلام منه"للدكتور محمود عتمان (٤٤٨)

<<  <   >  >>