للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا هو أيضًا: مقتضى حكمة الله تعالى؛ أنْ لا يُخلِيَ نبيَّه من دليلٍ، أو آيةٍ تدلّ على صدقه. فلا يجوز أن يسوِّيَ بين الصادق والكاذب؛ بأن يُجرِي على يد الصادق مثلُ ما يُجرِيَ على يد الكاذب، فيتعذَّر على الخلق حينئذٍ التمييزُ بينهما؛ وذلك مما يتنزَّه الله تعالى عنه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «وما جعله الله آيةً، وعلامةً، ودليلًا على صِدْقِه؛ امتنَعَ أن يوجدَ بدون الصدق؛ فامتنَع أن يكون للكاذب المتنبي؛ فإن ذلك مما يقدح في الدلالة.

فهذا ونحوه مما يعرف به دلالة الآيات من جهة حكمة الرّبِّ، فكيف إذا انضمّ إلى ذلك أن هذه سننه وعادته؟ وأن هذا مقتضى عدله؟!

وكلّ ذلك - عند التصوُّرِ التامِّ - يوجِب علمًا ضروريًا بصدق الرسول الصادق، وأنه لا يجوز أن يسوي بين الصادق والكاذب؛ فيكون ما يُظهِره النبي من الآيات يظهَر مثلُه على يد كاذبٍ؛ إذْ لو فعل هذا لتعذّر على الخلق التمييز بين الصادق والكاذب.

وحينئذٍ: فلا يجوز أن يُؤمَروا بتصديق الصادق، ولا يُذَمُّوا على ترك تصديقه وطاعته؛ إذْ الأمر بدون دليله تكليف ما لا يُطاق؛ وهذا لا يجوز في عدله وحكمته. ولو قُدِّر أنه جائزٌ عقلًا؛ فإنه غير واقع». (١)

ثمّ؛ إنه لو كانت تلك الآيات والبراهين ليست مستلزمة لصدق من ظهرتْ ... له = كان ذلك طعنًا في الله تعالى؛ إذْ ترك شيئًا من لوازم الرسالة؛ وذلك إمّا لعدم القدرة، أو لجهله بضرورة هذا اللازم؛ وكلّ ذلك مما يُنزَّه المولى جلّ جلاله عنه. (٢)

سابعًا: الزّعمُ الباطل بأن إثبات وجود هذه الآياتِ يستلزمُ أن يكون إيمان مَنْ آمن بها عن جبرٍ واضطرار؛ لا عن حرية واختيار. فهذه


(١) " النبوات "لابن تيميَّة (٢/ ٨٩٦)
(٢) انظر: " المصدر السابق" (٢/ ٨٩٦)

<<  <   >  >>