للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدَّعوى يكذِّبُها واقعُ الأنبياء وأقوامهم؛ فإنّه قد عُلم من سِيَرِهم - عليه السلام - على وجه العموم؛ وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه الخصوص: أنّه مع ظهور تلك الآيات الدالّة على صدقه؛ إلا أنه وجد من الكفار من أعرض عن الإيمان، ورضي بالكفر. فلو كانتْ الآياتُ والبراهينُ مجبرةً لهم - على حدّ هذا الزعم -؛ لتحقّق إيمانُ كلّ من شهد هذه الآيات؛ وهذا مخالف لما تقرّر من أحوالهم وسِيرِهم.

وهذا لا يُضعِف دلالةَ هذه الآيات، وأنها تدلُّ - ضرورةً - على صدقِ أنبياء الله تعالى؛ فليس من شرط الدليل ألاّ يخالَف ويُعرَض عنه؛ فكم من دليلٍ بيِّنِ الدلالة أُعرِض عنه صفحًا.

وخلَّة أُخرى: إن الغَرضَ من إقامة هذه الدلائل والبراهين: أن يتفكّر فيها الناظر، ويستدلّ بها على صدق دعوى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنه مرسَل من عند الله تعالى، وأن الله لم يُظهِر على يد مدّعي الرسالةِ الآياتِ؛ إلا ليُعلَم اختيارُ الله له، واصطفاؤه لهذا الذي جرت على يديه الآيات.

فلو كانت هذه الآيات والبراهين في حقيقة أمرِها إجبارًا للخليقة؛ فإن ذلك ينفي عنها معنى الآية والبرهان؛ إذْ إنّ مدلول الآية في اللِّسان: العلامة (١) . فهي كأعلام الطريق المنصوبة لهداية السائرين؛ فكذلك آيات الأنبياء - عليه السلام -: أعلامٌ تهدي، وتدلّ على صدق ما أخبروا به. ومدلول " البرهان " (٢) في لغة العرب: الحُجّةُ البيّنةُ الفاصلة.

فأيّ جدوى من هذه الآيات والبراهين؛ إذا كانتْ مجبِرةً للخلق على خلاف ما يعتقدون؟!


(١) انظر: " لسان العرب " مادة: آية.
(٢) انظر: المرجع السابق. مادة: برهن.

<<  <   >  >>