ثامنًا: دعوى أن هذه الآيات خارقةٌ لسنن الكون، وللعادة المطَّرِدة، وخارقةٌ أيضًا للعقل.
وهنا يمكن القول: إن هذه الدعوى تتضمّن شقّين؛ الأول منهما حقٌّ في مَكْمَنِهُ مصائد للباطل، والآخر باطلٌ لا ينفق على أَهل البصيرة.
وبيان ذلك: أنَّ القولَ بأن هذه الآياتِ خارقةٌ للسنن الكونية حقٌّ؛ وهو مقتضى الضرورة الحسيَّة أَيضًا؛ لأنَّ بعض تلك الآيات عاينها بعض الخلق. والله تعالى هو الفاعل لذلك؛ ليقيم الدلائل على صدق من أرسله. ومكمن الضلال في هذه الدعوى: أنهم اعتقدوا استحالةَ ذلك؛ وهذه الاستحالة ناشئةٌ عن مسايرتهم للملاحِدة أصحاب المَنْهج الوضعيّ؛ وهذا هو محضُ العمى: -أعني التقليد في الباطل-.
وتوضيح ذلك: أن إحالةَ ذلك لا تصدرُ إلا ممن عمِيَ فلا يُبصِر في هذا الكون إلا الأسباب المادية، ومثل هؤلاء في غَلَط تصورهم (كغلَطِ النَّملةِ مثلًا، لو كانت تدبُّ على الكاغدِ فترى رأس القَلَم يُسوِّدُ الكاغد، ولم يمتدّ بَصَرُها إلى اليد والأَصابعِ فضلًا عن صاحب اليدِ، فَغَلِطت وظنَّت أَنَّ القلمَ هو المُسوِّد للبياض، وذلك لقصور بَصَرها عن مُجاوزةِ رأسِ القلمِ لضيق حَدَقتِها =فكذلك من لم يَنْشَرحْ بنور الله تعالى صدرُهُ للإِسلام؛ قَصُرت بصيرته عن مُلاحظة جَبَّار السموات والأَرض، ومُشاهدة كونه قاهرًا وراء الكُلِّ، فوقف في الطَّريق على الكاتب =وهو جهل محض)(١)
يقول الشيخ سعيد النَّورسي - رحمه الله - واصفًا حال هؤلاء بقوله: «إنَّ مَنْ نظرَ النبوةِ والتوحيد، والإيمان، يرى الحقائقَ في نورِ الألوهيَّةِ والآخِرة، ووحدة الكونِ؛ لأنّه متوجهٌ إِليها. أمَّا العلمُ التجريبي والفلْسَفةُ
(١) "إحياء علوم الدين"لأبي حامد الغزالي (٤/ ٣٢٩ - ٣٣٠)