الحديثةُ فإنَّه يرى الأمورَ مِن زَوايةِ الأَسبابِ الماديَّةِ الكثيرة والطبيعة لأنّه متوجه إليها فالمسافة إذن بين زَوايتي النّظر بعيدة جدًّا ..... ولهذا فقد تقدَّم أهلُ العلم التجريبي كثيرًا في معرِفَةِ خَواصِّ الموجوداتِ وتفاصيلها وأَوصافها الدَّقيقة في حين تخلَّفوا كَثيرًا حتى عن أَبْسَطِ المؤمنين وأَقلِّهم علمًا في مَجَالِ العلم الحقيقي وهو العلوم الإِلهيّة السَّاميةُ، والمعَارفُ الأُخروية.
فالَّذين لا يُدْركون هذا السِّرَّ، يظنُّون أنَّ علماءَ الإِسلامِ مُتأخرون عن علماء الطبيعة والفلاسفة =والحال أَنّ مَنِ انحدَرت عُقولُهم إلى عيونهم، وأصبحوا لا يُفكِّرون إلاّ بما يرون، وغَرِقوا في الكَثْرَةِ من المخلوقات أَنّى لهم الجُرأةُ لِيلحقوا بورثةِ الأنبياءِ عليهم السلام الّذين بلغوا المقاصِدَ الإلهيّةَ السَّاميةَ وغاياتِها الرفيعة العالية .... وحتمًا لا تتعارضُ حقيقةٌ علميّةٌ قاطعة مع حقائق النُّصوصِ القرآنيّة المُقدّسة =إذِ اليدُ القصيرة للعلمِ التجريبي قاصرةٌ عن بلوغِ أَهدابِ طرَفٍ من حقائق القرآن الرَّفيعةِ المُنزَّهة» (١)
فهؤلاء يرون أنَّ سنن الكون خاضعةٌ للقوانين العلميّة التي لا يمكن أنْ تُخرَق ولا تُنتَقَض؛ لإنكاره وجود الخالق القادر. فهو يفسِّرُ ما يجري في الكون تفسيرًا " ميكانيكيًّا " لا يتبدّل ولا يتغيّر.
وعلى هذا؛ فهؤلاء المنكرون لهذه الآيات:
• إمّا أن يوافقوا أرباب المنهج الوضعي في مقاصد مذهبهم ولوازمه، وحاصل هذه الموافقة إنكارُ وجود الربّ تبارك وتعالى، أو إنكار قدرته جلّ وعلا، وخضوعِ كلّ شيءٍ لسلطانه. فحينئذٍ يعود الخطاب معهم في إثبات وجود الربّ - سبحانه وتعالى -.
(١) "أُصول فهم الأحاديث النبوية"لسعيد النورسي (٣٤ - ٣٥)، وسعيد النورسي (١٢٩٣ - ١٣٧٩ هـ): هو أحد الدعاة الإسلاميين. ولد في قرية "نورس"بتركيا أخذ العلم عن علماء منطقته ورحل للاستزادة من العلم إلى عدد من المحافظات التركية، ثم تفرغ للدعوة ومقاومة جمعية الاتحاد والترقي واعتقل عدة مرات بسبب مطالبته بتحكيم الشريعة، من مؤلفاته: "رسائل النور"=انظر ما ترجم به لنفسه في كتابه: "سيرة ذاتيَّة"ترجمة إحسان الصالحي.