للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وإمّا أن يُقِرُّوا بقدرة الله تعالى على خرق هذه النواميس والسنن؛ لأنها خلق من خلقه؛ فالذي أجراها على مقتضى قانون " السببيّة "؛ قادرٌ على خرق هذا القانون متى شاء. وأمّا موافقة أرباب المنهج الوضعي في فروع مذهبهم دون أصوله؛ فهذا لا يصحّ؛ لأن كلّ فرع لا يرجع إلى أصلٍ؛ فهو باطلٌ.

واستدلالهم على استحالة انتقاض هذه السنن، وبُعْد خرقِها؛ بقوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)} الأحزاب. وقوله تعالى: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (٤٣)} فاطر.=باطلٌ لأنَّه ليس في الآية مستمسَك لما ذهبوا إليه من إحالة خرق سنن الكون؛ لأن معنى الآيتين: بيان سنة الله وعادته في إكرام، ونصر أوليائه، وسنّتُه، وعادتُه في إهلاك وعقوبة أعدائه. والبرهان على أنّ هذا المعنى هو المقصد من الآيتين: دلالة السياق؛ فالمتأمّل في كلا الآيتين سيهتدي إلى هذا المعنى؛ ذلك أن لفظ " السُّنَّة " التي سبق ذِكرُها في سورة " الأحزاب "؛ جاءتْ في سياق التهديد والوعيد للمنافقين؛ قال الله - عز وجل -: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (٦١) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)} الأحزاب.

فقد أبان الله - سبحانه وتعالى - عن عادته في أهل النفاق - إن أظْهروا نفاقَهم -: أن يقتلهم تقتيلًا. فالآيات سيقتْ لبيان سنة الله في أعدائه. يقول الإمام محمد بن جرير الطبري مبينًا تأويل هذه الآية: «يقول تعالى ذِكرُه: ({سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ}: هؤلاء المنافقون الذين في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه من ضُرباءِ هؤلاء المنافقين؛ إذا هم أظهروا نفاقَهم أن يقتِّلهم، ويلعنهم لعنًا كثيرًا». (١)


(١) "جامع البيان" (٢٢/ ٤٩)

<<  <   >  >>