للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن والسنة على إلحاده؛ فاستدلّ بهذه الآية (١) على أنّ العالَم لا يتغيَّر: لا تزال الشمس تطلع وتغرب؛ لأنها عادة الله.

فيقال له: انخراق العادات أمرٌ معلومٌ بالحسّ والمشاهدة بالجملة، وقد أخبر في غير موضع أنه سبحانه لم يخلق العالَم عبثًا وباطلًا؛ بل لأجل الجزاءِ؛ فكان هذا من سنّتِه الجميلة، وهو: جزاؤه النّاسَ بأعمالهم في الدار الآخرة، كما أخبر به مِنْ نصرِ أوليائه، وعقوبة أعدائه؛ فبعثُ الناس للجزاء هو من هذه السُّنّة. وهو لم يُخبِر بأن كلّ عادةٍ لا تنتقض؛ بل أخبر عن السُّنّةِ التي هي عواقب أفعال العباد؛ بإثابة أوليائه، ونصْرِهم على الأعداء. فهذه التي أخبر أنه لن يوجد لها تبديلٌ ولا تحويل .. وذلك لأن العادة تتّبع إرادةً الفاعل، وإرادةُ الفاعلِ الحكيم هي إرادةٌ حكيمةٌ؛ فتسوّي بين المتماثلات، ولن يوجد لهذه السنة تبديلٌ، ولا تحويلٌ؛ وهو إكرامُ أهل ولايته وطاعته، ونصْرُ رسله والذين آمنوا على المكذبين. فهذه السُّنَّة تقتضيها حكمتُه سبحانه؛ فلا انتقاصَ لها.

بخلاف ما اقتضتْ حكمتُه تغييرَه؛ فذاك تغييرُه من الحكمة أيضًا، ومن سُنّته التي لايوجد لها تبديلٌ ولا تحويلٌ) (٢)

تاسعًا: دعوى أنّ هذه الآيات تُعدُّ قدْحًا في العقل.

فيقال: الأمرُّ بخلاف ذلك؛ لأنّ هذه الدلائل والآيات لا تتضمّن ما يناقض الضرورة العقليّة؛ فهي وإن كانتْ خارقةً للسُّنَن، فليست - في الوقت نفسه - خارقةً لمناهج العقول؛ إذ إنّ من المُحال تناقُضُ الضرورتَيْن: الضرورة الحسيّة، والضرورة العقليّة.


(١) يقصد: قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (٤٣)} فاطر.
(٢) " الرد على المنطقيين " (٣٩٠ - ٣٩١)، وانظر زيادةَ بسطٍ لشيخ الإسلام لهذا المعنى في رسالته "لفظ السُّنة في القرآن" (١/ ٤٧ - ٥٨=ضمن جامع الرَّسائل)

<<  <   >  >>