للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين أن يقول القائل: رأيتُ فُلانًا رؤيةً، ورأيته رؤيا، إلَاّ أنّ الرؤية يَقِلُّ استعمالها في المنام، والرُّؤيا يكثُر استعمالها في المنام، ويجوزُ كلُّ واحدٍ منهما في المعْنَيينِ) (١)

وقد ردّ الإمام محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - على مَن جعل (الرُّؤيا) في الآية السابقة بأنها رؤيا منام؛ فقال: (وزعَمَ بعضُ أهل العلم: أن المراد بالرُّؤيا في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} رؤيا منام ... والحقّ الأوّل) (٢)

فإن قيل: قد خالف في ذلك بعض أئمة اللغة (٣)، وغلَّطوا أبا الطيب المتنبي في استعماله " الرُّؤيا " - بالألف - للرؤية البصرية، وعدّوا ذلك لحنًا منه؛ معتلين في تخطئتهم بأنّ الرُّؤيا البصرية تكون (بالتاء) لا (بالألف)

فيقال: إنْ خطّأ بعضُهم ورودَه بهذا الاستعمال، فقد صحّحه البعضُ الآخر من أئمة اللغة؛ فإنه وإنْ كان المتنبي ليس ممن يُحتجُّ بشعره؛ لكونه من المولّدين (٤) فإنّه يشهدُ له لغةً كلامُ الراعي النّميري (٥)،


(١) "زاد المسير"لابن الجوزي (٨١٩) وابن الأنباري (٢٧١ - ٣٢٨ هـ): هو محمد بن القاسم بن محمد، أبو بكر الأنباري، إمام في اللُّغة ذو معرفة واسعة بعلوم القرآن والحديث والنحو والشِّعر، من المعنيين بالغريب ونحو الكوفيين، من تصانيفه"الزاهر في معاني كلمات الناس"و"الأضداد" انظر "إنباه الرواة"للقفطي (٣/ ٢٠١)، و"معجم الأدباء" (٦/ ٢٦١٤)
(٢) "أَضواء البيان" (٣/ ٤٦٩)
(٣) كابن مالك، وأبي القاسم الحريري. انظر"دُرَّة الغوَّاص على أوهام الخواص"للحريري (٨٥) و"شرح المواهب"للزرقاني (٦/ ٣)
(٤) انظر ضابط من يُحتجُّ بشعره ومن ليس كذلك: " الاقتراح في أصول النحو"، للسيوطي (١/ ٦١١ - وما بعدها، مع شرحه فيض الانشراح)، و "شرح كفاية المتحفظ"، للإمام= =محمد بن الطيب الفاسي (١٠١)
(٥) الرَّاعي النميري (? - ٩٠ هـ): هو عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النميري، أبو جندل. من فحول الشعراء المحدثين، كان من وجوه قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد. وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.=انظر: "طبقات فحول الشعراء" (٢/ ٥٠٢)، و "الشعر والشعراء"لابن قتيبة (١/ ٤١٥)

<<  <   >  >>