للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيقت لبيان مارآه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج، إلاّ ففي توجيه معنى الآية أَقاويل ذكرها أَهل العلم، لذا قال الإمام ابن عبدالبرِّ: (وأَمَّا قوله عزوجل: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} فمُخْتَلَفٌ في تأْويلِها اختلافًا كثيرًا يطولُ ذكره) (١)

ولمّا كان الأمر ما رأيتَ من ضعْف ما ارتكز عليه الإمام ابن إسحاق = كان ذلك مما دفع الإمام ابن جرير إلى التشنيع على ابن إسحاق في فهمه الذي ذهب إليه.

وأسوقُ كلامَه لمتانته وقوّته. قال - رحمه الله - بعد أن ذكر قول ابن إسحاق: (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله حمله على البراق حين أتاه به، وصلَّى هنالك بمن صلى من الأنبياء والرسل، فأراه ما أراه من الآيات؛ ولا معنى لقول من قال: أُسرِي بروحه دون جسده؛ لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك، وكانوا يدفعون به عن صدقه فيه؛ إذ لم يكن مُنكَرا عندهم، ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم = أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل؟

وبعد؛ فإنَّ الله إِنَّما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده؛ وليس جائزا لأحد أن يتعدَّى ما قال الله إلى غيره ... ولا دلالة تدل على أن مراد الله من قوله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} أسرى بروح


(١) "الأجوبة عن المسائل المستغربة"لابن عبدالبَرِّ (١٥٦)

<<  <   >  >>