للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبده بل الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله أسرى به على دابة يقال لها: البراق = ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق؛ إذْ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجسام؛ إلَّا أن يقول قائل: إنَّ معنى قولنا: أسرى بروحه رأى في المنام أنه أسرى بجسده على البراق. فيكذِّبُ حينئذ بمعنى الأخبار التي رُوِيَت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن جبرائيل حمله على البراق؛ لأن ذلك إذا كان منامًا على قول قائل هذا القول، ولم تكن الروح عنده مما تركب الدواب، ولم يحمل على البراق جسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - على قوله حُمِل على البراق؛ لا جسمه، ولا شيء منه، وصار الأمر عنده كبعض أحلام النائمين = وذلك دفع لظاهر التنزيل، وما تتابعت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاءت به الآثار عن الأئمَّة من الصَّحابة والتَّابعين) (١)

وسأُجْمِل ردَّه في الآتي:

الأول: أن الإسراء لو كان منامًا، أو بروحه؛ لما كان في هذه المعجزة والبرهان دلالة على صدق رسالته، ولا حجّة على نبوّته.

الثاني: أنه لو كان ذلك منامًا، أو بروحه؛ لَمَا أنكر المشركون حقيقة ذلك؛ إذ رؤية الرائي في المنام أنه يسير هذه المسافات في ليلة ليس بمستبعد عند ذوي الفِطَرِ الصحيحة.

الثالث: أن الله تعالى أخبر أنه أسرى {بِعَبْدِهِ}. والعبد: مجموع (الروح والجسد) ولم يخبر أنه أسرى بروحه فقط. وقصر الإسراء على الروح تعدٍّ لما قاله اللهُ إلى غيره.

الرابع: أنّ مَن جعل الإسراء بالروح فقط؛ فقد خالَف ظاهر


(١) "جامع البيان" لابن جرير (١٥/ ٢٦ - ٢٧) وانظر أيضًا: "تثبيت دلائل النُّبوَّة" للقاضي عبد الجبار (١/ ٤٨ - ٤٩)

<<  <   >  >>