للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموقف الثالث:

وهم الذين أقرّوا بأصل الأخبار الدالّة على وجود الدجال، مع تأويل بعض صفاته، و ما ثبت له من خوارق.

وممّن ذهب إلى ذلك: " الجبائي " من المعتزلة، وبعض الجهميّة (١)؛ وابن حزم - رحمه الله - حيث قال في معرض ردِّه على أَهل الكتاب: (فإن قيل: إنَّكم تقولون: إنَّ الدَّجَّال يأتي بالمُعجِزات.

قُلنا: حاشا لله مِن هذا!،وما الدَّجال إلَاّ صاحبُ عجائب، كأبي العجب الشّعبذ (٢) ولافرق، وإنَّما يتحيَّلِ حيلا معروفة، كلُّ من عرفها عمل مثل عمله، وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ المغيرة بن شُعبة سأله: هل مع الدجال نهرُ ماء، وخبز ونحو ذلك؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:هو أهون على الله من ذلك .. ) (٣).

فهؤلاء أقرّوا بوجود الدجّال؛ لكنهم أبَوْا التسليم بحقيقة ما تضمّنته الأحاديث من ثبوت الخوارق له، وزعموا أن ما يُظْهِره إنما هو حيل، ومخارق لا حقيقة لها، وعلةُ نفيهم دعواهم أنَّه لو صحت هذه الخوارق =لكانت قدحًا في النُّبوّة (٤).

وقد وافقهم الإمام الطحاوي - رحمه الله - في النتيجةِ، وإن اختلف معهم في المأخذ الذي انطلق منه المخالفون، فإنّ مأخذه - رحمه الله - إرادة الجمع بين النُّصوص، فأدّاه اجتهاده إلى تلك النتيجة، حيث قال بعد أن ساق الأحاديث المثبتة لخوارق الدجال: (فتأملنا هذه الآثار فيما ذكر أنه مع الدجّال من الجزر والماء؛ هل ذلك على الحقائق أو على ما سواها؟) (٥). ثم بعد أن أورد حديث المغيرة بن شعبة المتقدّم ذِكرُه، وفيه: قال: ما سأل


(١) "إكمال المعلم" (٨/ ٤٧٥).
(٢) كذا، ولعلَّ الصواب: المُشعبذ.
(٣) "الفصل" (٢/ ١١٨).
(٤) انظر:"إكمال المعلم" (٨/ ٤٧٥).
(٥) "شرح مشكل الآثار" (٩/ ٤٠٩ - ٤١٢ - تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار).

<<  <   >  >>