للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال أكثر مما سألته. فقال: (ما يصيبك، إنّه لا يضرّك) قلت: إنهم يزعمون أن معه الطعام والأنهار. قال: (هو أهون على الله من ذلك) قال الإمام الطحاوي: (فكان تصحيح حديث المغيرة هذا، وما رويناه قبله على أن ما رويناه قبله هو ما يوهمه الدجالُ الناس بسحره أنّه ماءٌ وخُبزٌ، فيرونه كذلك بسحره الذي يكون معه؛ مما يَقْدِرُ به عليهم، حتى يرون أن ذلك في الحقيقة كما يرونه بأعينهم في ظنونهم = وليس كذلك، وإنما هو كمثل ما أخبر الله عما كانت سحرة فرعون فعلتْه بقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} طه: ٦٦

فقال قائل منهم: فقد رويتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب ما يخالف ما ذكرتم ... قال هذا القائل: ففي هذا الحديث تحقيق هذه الأشياء أنها تكون من الدجال.

فكان جوابنا له في ذلك: إن هذا الحديث ما يدل على غير ما ظنّ، وذلك أن فيه: (ثم يأمر السماء فتمطر فيما يُرى، ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس) (١) . وفي ذلك تحقيق ما قلناه: إنّ هذه الأشياء إنما تكون منه على جهة السحر الذي يُخيّل إلى من لحقه ذلك السحر أنه حقائق، وليست بحقائق ... ) (٢) .

وقد أبْعد العلاّمة الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في تنزيله الأخبار الواردة في أمر " الدجال " على الواقع الذي كان يعيشه الشيخ آنذاك؛ من مناصرة الإنجليز لليهود على اغتصاب فلسطين، وإقامة مملكتهم عليها. وقد أدّاه ذلك - رحمه الله - إلى الوقوع في التكلّف في فهم الأحاديث، والخروج بها عن ظاهرها. وشاهد هذا التكلّف منه - رحمه الله وعفا عنه -: أنّه في موطن من رسالته " فتنة المسيح الدجّال " يفسّر


(١) سيأتي تخريج هذه اللَّفظة.
(٢) "شرح مشكل الآثار" (٩/ ٤٠٩ - ٤١٢ - مع تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار) .

<<  <   >  >>