للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخوارق بأنّها تمويهٌ وتخييلٌ لا حقيقة لها = تردّه تلك الأحاديث البيِّنة الدالّة على أنّ ما يُظهِره الله على يديه من أمر السماء؛ بالإمطار فتُمطر، والأرضِ فتُنبت، واتباع كنوز الأرض له كيعاسيب النحل، وقتْله ذلك الشاب ثم إحيائه له = كلّه حقيقة لا مَخْرقة، وليس هناك ما يمنع جريان تلك الخوارق على يديه، والزمن زمن انخراق السنن.

قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة=أنَّ الدجّال يمتحن الله به عبادَه بما يخلقه معه من الخوارق المُشاهَدة في زمانه ... كله ليس بمَخْرقة؛ بل له حقيقة امتحن الله بها عباده في ذلك الزمان، فيُضِلّ به كثيرًا ويهدي به كثيرًا؛ يكفر المرتابون، ويزداد الذين آمنوا إيمانا) (١) .

والذي يبدو - والله أعلم - أنّ مَردّ تأويل هذا الإمام لم يكن ناشئًا عن شبهةٍ عقلية؛ بل عن شبهةٍ نقلية؛ كاستدلاله بقوله - صلى الله عليه وسلم - للمغيرة - رضي الله عنه - المتقدّم ذِكْرُه - عندما أخبره بخوفه من فتنة الدجال؛ لِما سمعه من أنّ معه جبال خبز، ونهر ماء = قال - صلى الله عليه وسلم -: (هو أهون على الله من ذلك) ففهِم - رحمه الله - أنّ ما يُظهره الدجال ليس إلاّ تخييلًا ومَخْرَقةً، لا حقيقة تحتها.

وكذا ما استدلَّ به من حديث أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - (٢)، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يخرج الدجال في خفّةٍ من الدين، وإدْبار من العلم ... ) وفيه: (ثم يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتلُ نفسًا ثم يحييها فيما يرى الناس) (٣) .


(١) "النهاية في الفتن والملاحم " (١٩/ ١٩٣ - ١٩٤) وانظر "المفهم" (٧/ ٢٧٣) .
(٢) انظر:"شرح مشكل الآثار" (٩/ ٤١٠ - ٤١٢= ترتيب المشكل) .
(٣) أخرجه الطحاوي في"شرح مشكل الآثار" (٩/ ٤١٠ - رقم [٦٧٧٠] = ترتيب المشكل) . وأحمد في"المسند" (٣/ ٣٦٧) والحاكم في"المستدرك" (٤/ ٥٣٠) وصححه. وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح "مجمع الزوائد" (٧/ ٣٤٤) .

<<  <   >  >>