للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب عمّا استدل به: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (هو أهون على الله من ذلك) محتمل معنيين:

المعنى الأول: أَنَّ الدجالَ أهونُ من أن يُجرِي الله على يديه هذه الخوارق؛ وإنما هو تخييل، وسحرٌ يسحر به أعين الناس.

المعنى الثاني: أنه أهون من أن يجعل ما يخلقه الله على يديه مُضلًا للمؤمنين، ومشكِّكًا لقلوب الموقنين.

فلما كان هذا اللفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محتملًا لكلا المعنيين؛ كان المتعين البحث عمّا يزيل الاحتمال؛ فَوجِد أن الأحاديث الأخرى قد أبانت عن أن ما معه من الخوارق على بابها وظاهرها، فوجب المصير إليها، واتخاذها أصلًا مُحكما يُردُّ إليها ما تشابه من الألفاظ.

قال القاضي عياض - رحمه الله -: (وقوله في هذا الحديث: قلتُ [أي: المغيرة بن شعبة]: إنهم يقولون: إن معه الطعام والأنهار. قال: (هو أهون على الله من ذلك) أي: من أن يجعل ما يخلقه على يده مُضِلًا للمؤمنين، ومشكِّكًا لقلوب الموقنين؛ بل يزيد الذين آمنوا إيمانًا، وليرتاب الذين في قلوبهم مرض والكافرون) (١) .

وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (فدل ما ثبت من ذلك على أن ... قوله: (هو أهون على الله من ذلك) ليس المراد به ظاهره، وأنه لا يجعل على يديه شيئًا من ذلك؛ بل هو على التأويل المذكور [يعني: تفسير القاضي عياض؛ السالف الذكر) (٢) .

وأما استدلاله - رحمه الله - بحديث جابر - رضي الله عنه - فلا يستقيم إلاّ بعد التسليم بصحة ثبوته؛ وهذا ما لا يتم له؛ لعلّتين:


(١) "إكمال المعلم" (٨/ ٤٩٢) .
(٢) "فتح الباري" (١٣/ ١١٦) .

<<  <   >  >>