ولذا قال أبو العباس القرطبي - رحمه الله -: (وأمّا من قال: إنّ ما يأتي به الدجّال حِيلٌ ومخارق - فهو معزول عن الحقائق؛ لأن ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من تلك الأمور حقائق لا يحيل العقل شيئًا منها = فوجب إبقاؤها على حقائقها)(١) . وإنما سُقت موقف الإمام الطحاوي، وخرجْتُ عن شرط هذه المباحث؛ مع كون شبهته - فيما يظهر - تستند إلى دليل نقلي، لا إلى مُعارِض عقلي = كي لا يظنّ ظانٌّ أن تأويله - رحمه الله - نابعٌ عن استشكالٍ عقليٍّ مَحْضٍ؛ فيُتّخذ ذلك وليجة للنيل منه، أو الاعتضاد بقوله. فبيان مآخذ أهل العلم ونفي موارد الظنون عنهم؛ ممّا يتغيّاه هذا البحث؛ لقطْع علائق المتأولين المتعلّقين بأذيال أهل العلم؛ فضلًا عن كون ذلك من لوازم الديانة.
المعارض الثالث: زعمُهم: أنّ هذه الخوارق مخالفة لسنن الله ... إلخ.
فالجواب: قد سبقتْ الإبانة عن بطلان هذه الشبهة في المبحث المنعقد لدفع المعارض العقلي عن آيات الأنبياء؛ بما يُغني عن مكرور القول فيها.
المعارض الرابع: زعمهم: أنّ هذه الأحاديث متضمّنةٌ لما يصادم القطعيات المعلومة من الدين؛ كتخلُّف أخبار الرُّسل، أو كونها عبثًا ... .
فالجواب: إِنّه تهويلٌ يفتقر إلى تحقيق. وبرهانُ زيف ما ذكروه أنّ القول بتخلّف أخبار الرسل في هذه الأحاديث إنما يصح؛ في حال انطوائها على جزم كل نبيّ بخروج الدجال في زَمَنِه، ولو وقع ذلك لصحَّ التوقُّف حينئذ في تصحيح تلك الأحاديث. ومضمون تلك الأحاديث يشهد بخلاف ذلك؛ لأنه إنما وقع التحذير من الأنبياء