لأممهم خوفًا من خروجه فيهم. والأحاديث لم تتضمّن أنهم قطعوا بذلك. وحاصل الأمر: أن تحذير الأنبياء - عليهم السلام - من الدجال هو كتحذيرهم لأممهم من السَّاعة؛ فكما أن الدجال لم يخرج في زمنهم؛ فكذا السَّاعة لم تقم في زمنهم. فعدّ الأول خلفًا في الأخبار دون الآخر؛ تحكُّمٌ بلا برهان (١) .
المعارض الخامس: إحالة بعضهم لما ورَدَ من شأن الكتابة بين عيني الدجال، ومنْعه من حملها على حقيقتها؛ بدعوى أنه لو حملت تلك الكتابة على الحقيقة لاستوى في إدراك ذلك المؤمن والكافر ... الخ
فالجواب عن ذلك: أنّ العقل لا يحيل ذلك، والربّ تبارك وتعالى لا يُعجِزه أن يصرِف الكافر عن إدراك هذه الكتابة. وعلى هذا؛ فحملهم الوارد في هذا الحديث من أمر الكتابة على معنى ما ثبت من سمات حَدْثه، وشواهد عجْزه، وظهور نقصه = (عُدولٌ وتحريفٌ عن حقيقة الحديث، من غير موجبٍ لذلك. وما ذكره من لزوم المساواة بين المؤمن والكافر في قراءة ذلك لا يلزم؛ من وجهين:
أحدهما: أن الله يمنع الكافر من إدراكه؛ ولا سيما وذلك الزمان قد انخرقت فيه عوائد؛ فليكن هذا منها. وقد فُهم ذلك مما جاء في بعض طرقه: (يقرؤه كل مؤمن؛ كاتبٍ وغير كاتب) وقراءة غير الكاتب خارقة للعادة.
وثانيهما: أن المؤمن إنّما يُدركه؛ لتثبُّتِه، ويقظتِه، ولسوء ظنّه بالدّجال، وتخوُّفه من فتنته. فهو في كل حال يستعيد النظر في أمره، ويسْتزيد بصيرةً في كذبه؛ فينظر في تفاصيل أحواله، فيقرأ سطور كفره وضلاله، ويتبيّن عين محاله.
(١) انظر:"موقف المدرسة العقلية الحديثة من الحديث النبوي الشريف" (٣٠٥) .