للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الكافر فَمَصْروف عن ذلك كله؛ بغفلته، وجهْله. وكما انصرف عن إدراك نقص عوره، وشواهد عجزه؛ كذلك يُصرَف عن فهْم قراءة سطور كفره ورَمْزِه) (١) .

قال الإمام النووي - رحمه الله -: (الصحيح الذي عليه المحققون: أنّ الكتابة المذكورة حقيقة، جعلها الله علامة قاطعة يكذب بها الدجال، فيُظهِر الله المؤمنين عليها، ويخفيها على من أراد شقاوته.

وحكى عياضٌ خلافًا، وأن بعضهم قال: هي مجازٌ عن سمة الحدوث عليه = وهو مذْهب ضعيف، ولا يلزم من قوله: (يقرؤه كل مؤمن؛ كاتبٍ وغير كاتب) أن لا تكون الكتابة حقيقة؛ بل يقدر الله على غير الكاتب علم الإدراك، فيقرأ ذلك، وإنْ لم يكن سبق له معرفةٌ بالكتابة؛ وكأنّ السرّ الطيف في أن الكاتب وغير الكاتب يقرأ ذلك؛ لمناسبة أن كونه أعور، يدركه كلُّ من رآه. فالله أعلم) (٢) .

وأمّا من ذهب إلى تأويل الأحاديث الدالّة على الوجود العيني للدجّال بحملها على الرمز والإشارة؛ وأنّها ترمز إلى الخرافة والدجل، التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها - كما ذهب " محمد عبده " -. أو رمز على الشرّ واستعلائه - كما تأوله "محمد أَسد"وارتضاه "مصطفى محمود " - = فكلّ هذه التأويلات لا تثبت على قدم، وبطلانها بيِّنٌ من وجوه:

الأول: أن هذه التأويلات مؤسَّسة -فيما يظهر-على الإحالة. ولا إحالة تمنع من قبول أحاديث الدجّال والتسليم بها؛ بل هي جارية على سنن العقْل، والشرعُ مُثْبت لها. وما أثبته الشرعُ فهو - يقينًا - موافقٌ


(١) "المفهم" (٧/ ٢٦٨ - ٢٦٩) .
(٢) انظر:"فتح الباري"لابن حجر (١٣/ ١٢٥ - ط دار السلام) .

<<  <   >  >>