للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للعقل. ومن تأمّل هذا في جميع ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فمحالٌ أن تزل قدمه عند ورود بعض ما يُشكِل على هذا الأصل.

الثاني: أنّ هذه التأويلات قدْحٌ في جَناب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه من المتقرر شرعا وعقلًا: أنّ من أراد النُّصح والبيان لأحدٍ من الخلق؛ فإنّه لابد أن يَعْمَدَ إلى أقرب الطرق للإفهام، ويتخيّر من الألفاظ ما تحصل به الإبانة، وتقع به النصيحة. فإن تحاشى مريد النصيحة هذا السبيل؛ بأنْ عمد إلى الإبهام مع الحاجة إلى البيان؛ استدلّ الناظر في حال هذا المتنكّب عن هذا السبيل على أحد أمرين:

الأول: إمّا أن يكون جاهلًا، عاجزًا عن الإبانة.

الوجه الآخر: أن يكون أراد تضليل المخاطَب، وإيقاعه في الحيرة.

ولا ريب أن المتأولين لهذه الأحاديث، وحمْلهم لها على خلاف الظاهر المتبادر منها؛ يلزمهم في وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحد هذين الأمرين، وكلاهما شرّ.

أمّا الأول: فلأنّه من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفصح الخلقِ لسانًا، وأكملهم بيانًا؛ فمُحال عليه - صلى الله عليه وسلم - أن تتواتر عنه الأحاديث بالتحذير من الدجال وفتنته، ويتناقلها أصحابه رضوان الله عليهم؛ على ظاهرها المتبادر، ويرويها دواوين العلم وحُفّاظ السنة، وفقهاء الملة = مع كونهم غُفْلا عن معرفة معناها، والإحاطة بمدلولها. ويكون هؤلاء المخالفون هم أعرفَ النَّاس بمراده - صلى الله عليه وسلم -، وأدْرى بمقصوده = فإنّ هذه سفسطةٌ لا يقرّها عاقل.

وأما الأمر الثاني: فلمصادمته للقطعيات الدالّة على تبليغ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للدين الذي بُعِث به، وأدائه للأمانة المُناطة به؛ قال جلّ وعلا: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ

<<  <   >  >>