للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)} المائدة: ٦٧ ولقوله جلّ وعلا: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)} النحل: ٤٤ وإيقاع البلاغ لا يتم إلا بأمرين:

الأول: إيضاح الخطاب من المبلِّغ بأقرب طريقٍ يُوصِل إليه.

والأمر الثاني: استبانة المخاطبين قصده من الخطاب.

فحصول الأول دون الثاني يمنع وصف المبلِّغ بأنه بلّغ ما أُنزِل إليه. وهذا محال في حقّ نبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنّه قد شهدت له بذلك أمته، واستُنطقت بذلك في أعظم مجْمَع لها؛ في خطبته في حجّة الوداع، وكان الصحابة رضوان الله عليهم زهاء أربعين ألفًا. كما في الحديث الذي أخرجه مسلم بسنده عن جابر: (وأنتم تُسألون عنّي. فما أنتم قائلون؟) قالوا: نشهد أنك قد بلّغتَ وأدّيتَ، ونصحْتَ. فقال بأصبعه السبّابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: (اللهم اشهد، اللهم اشهد) ثلاث مرات) (١).

فتقرّر من ذلك: أنّ أصحابه رضوان الله عليهم عقِلوا عنه ما بلّغهم إيّاه، وأنّه لم يُقبض - عليه الصلاة والسلام - حتى نصح الأمة أتمّ النصح وأجلاه، وبيّن لها دينها أبلغ بيان.

الوجه الثالث: أنّ حمْل هذه الأحاديث الدالة على تشخص الدجال، وعلى تعيّن وجوده، وخروجه على الرّمز والتخييل بلا قرينة يفهم منها ذلك = عدولٌ عن الظاهر المتبادَر بلا برهان.

[الوجه الرابع: أنّ طرْق باب التأويل لأدنى إشكال ينقدح في عقل الناظر في هذه الأحاديث؛ يبعثُ على فتح الباب على مصراعيه لتأويل أحرف الشريعة كلها؛ فلا يُوثَق بعدُ بخبر، ولا ينعقد القلب على دين = وهذا هو الانحلال بعينه، وهدْم للشريعة، وتَقْويضها] [*].

وأمّا ما فهمه العلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله - من الأحاديث المتكاثرة في الدجال؛ من أنّه تارةً يقصد بها الإنجليز، وأن


(١) أخرجه مسلم، كتاب"الحج "باب: حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢/ ٨٩٠ - رقم [١٢١٨]).

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وأضفناه من أصل الرسالة الجامعية

<<  <   >  >>