للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقبول القول في هذه الأصول. وإذا لم نثبت هذه الأُصول خرجت الدلائل النقليَّة عن كونها مفيدة = فثبت أنّ القَدْحَ لتصحيح النَّقلِ يُفضي إلى القَدْحِ في العقل والنقل معًا، وأَنَّه باطل.

ولمَّا بطلت الأَقسام الأربعةُ لم يبق إلَاّ أن يقطع بمقتضى الدلائل العقليَّة، القاطعة بأن هذه الدَّلائلَ النقليَّةَ إمّا أن يقال غيرُ صحيحة، أو يقال إنَّها صحيحة؛ إِلَّا أنَّ المراد منها غيرُ ظواهرها ... ) (١).

ويقول الدكتور سُليمان دُنيا، متابعًا الرَّازي فيما قرّره من تعميق النظرة التصادمية بين الدّلالة العقليَّة وظواهر النصوص الشَّرعيَّة: (تمشِّيًا معَ قاعدةِ أَنّ العقلَ أَساسُ الدِّينِ =قَرّرَ عُلماءُ الإِسلامِ أَنَّ ما يَرِدُ من النُّصوصِ الدِّينيَّةِ مُخَالفًا لصريح العقل يُعْفى المُكَلَّفُ مِن الأمر باعتقاد ظاهره؛ لأَنّ التكليفَ بما يُخَالفُ صريحَ العقلِ =إِرْغامٌ وجبر، ولا جَبْرَ في الإِسلامِ ولا إِرْغام، وإذا لم يقع تكليف بما يُخالف ظاهره صَريح العقلِ، فللمُسلمِ الحق بعد أن رُفِعَ عنه إصرُ الإِيمان بهذا الظاهر الَّذي يُنافي صَريحَ العقل =في أَن يُفوِّضَ الأمرَ في تحديدِ المُرادِ بهذا النَّصِ إلى الله، كأَن يقول: آمنتُ بما أَرادَ اللهُ مِن هذا النَّصِّ، ولا حاجةَ بي إلى التَقصِّي عن المُرادِ منه =أو يميل بالنَّصِ إلى مَعنى يَقْبَلُه العقلُ ويَحْتمِلُهُ النَّصُّ) (٢)

فالمتأمِّل في كلام الرَّازي ومن تابعه يتحرّر لديه أَنَّ منشأ الغلَط لديهم، مُتأتٍّ من جهة اعتقادهم إِمكان حصول التعارُض بين الدَّلالتين. وهذا الاعتقاد باطل؛ ذلك أَنَّ الدَّليلَ العقليَّ جزءٌ من مفهوم الدليلِ الشَّرعيِ، شاهدٌ على صدق البراهين النقلية. فيمتنع وقوع التناقض بينهما؛ لأن بطلان الدليل مستلزمٌ بطلانَ المَدلول. هذه خَلَّة.


(١) " أساس التقديس " (١٣٠).
(٢) "التفكير الفلسفي الإسلامي "للدكتور: سُليمان دنيا (٢٢٢).

<<  <   >  >>