للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع صراحة ما دلت عليه الأدلة من نزول عيسى - عليها السلام -، وتضافرها على ذلك , وبلوغها مَبْلغ القطْع = إلَاّ أَنَّ طوائف من المخالفين لأَهل السُّنّة جالَدوا الدلائل , وناقضوا البراهين؛ إمَّا ردًّا للأدلة صراحةً , أو التلفُّع بمُرُط التّأْويل؛ تلطُّفًا في رَدِّها.

وممن نُقل عنه الرَّدُّ من متقدمي الخلَف: بعض الخوارج , وبعض المعتزلة (١) .

ومن متأخريهم - أعني: متأخري الخلف-: الشيخ محمد عبده؛ حيث نقل عنه تلميذُه "محمد رشيد رضا" موقفَه من أحاديث نزول عيسى - عليها السلام -. وهو ـ أعني: محمد عبده ـ وإن لم يُصَرِّح بأنَّ هذا موقفه؛ لأنه يعزو ذلك للعلماء، إلاّ أن ظاهرَ طريقته يُفْهَم منها ذلك؛ حيث قال: «ولصاحب هذه الطريقة ـ أي: مَنْ يقول أن رفع عيسى كان بروحه ـ في حديث الرفع والنزول في آخر الزمان تخريجان:

أحدهما: أنَّه حديث آحاد متعلق بأمر اعتقادي؛ لأنه من أمور الغيب. والأمور الإعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالقطعي ...

وثانيهما: تأويل نزوله وحكمه في الأرض بغلَبَة روحه , وسِرّ رسالته على النّاس. وهو ما غَلَب في تعليمه؛ من الأمر بالرحمة , والمحبة , والسِّلم , والأَخْذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها , والتمسك بقشورها دون لُبابها ... ولما كان أصحاب الشريعة الأخيرة [يعني: المسلمين] قد جمدوا على ظواهر أَلفاظها؛ بل وأَلفاظ مَنْ كتَب فيها معبرًا عن رأيه وفَهْمِهِ , وكان ذلك مُزهقًا لروحها، ذاهبًا بحكمتها = كان لا بُدَّ من إصلاحٍ عيسوي؛ يبيّن لهم أَسرارَ الشريعة , وروحَ الدِّين، وأدبَه الحقيقي. وكل ذلك مطويٌّ في القرآن الذي حُجبوا عنه بالتقليد؛ الَّذي


(١) انظر::"إكمال المعلم" (٨/ ٤٩٢) .

<<  <   >  >>