وفي تقرير هذه الحقيقة , يقول الإمام النووي ـ - رحمه الله - ـ:«ومعنى وضع عيسى الجزية؛ مع أنها مشروعة في هذه الشريعة = أَنّ مشروعيّتها مقيدة بنزول عيسى؛ لما دَلّ عليه هذا الخبر. وليس عيسى بناسخٍ لحكم الجزية، بل نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وهو المُبيّن للنّسخ بقوله هذا»(١) .
وأَما الجواب عن الاعتراض الثالث , وهو:
قول المعترض: كيف يملأ المسيح الدُّنيا عدلًا بعد أن ملئت جورًا؟ إلخ ..
فيقال: ليس ذلك بمنكور في بَدَائِهِ العقول. وفي التأريخِ ما يشهد لهذه الحقيقة، ويؤيدها. فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءَه من بعْده قد خَطّوا خُطّة العَدْل , وحرّروا البلاد والعباد من رق العبودية للخلق إلى العبودية لرب الخلق وخالقهم. فما الذي يَمْنع نبي الله عيسى - عليها السلام - أن يملأَها ـ أي الدنيا ـ عدْلًا من بعد ما مُلِئَتْ جورًا؟! فالله تعالى قادرٌ على تمكينه من ذلك. وبراهين الشرع، والحس، والعقل دالة على صحة ذلك.
بقي أَنْ يُنظر في تلك الدّعاوى التي انطوت في أقوال الطاعنين المساقة سالفًا.
فأَمّا دعوى الشيخ " محمد عبده " والشيخ " محمد شلتوت ": بأن أحاديث نزول عيسى - عليها السلام - أحاديث آحاد، لا يُرْكن إلى مثلها في تقرير العقائد = فقولٌ خَشِيبٌ؛ لأَنه على فرض كون تلك الأحاديث آحاد , فإن خبر الآحاد متى صحّ فهوحُجّةٌ في العقائد والأَحكام، يَجِبُ المصير إليه. وهذا ما انعقد عليه إجماع أهل السُّنة.
فإن قيل: قد ذكرتَ آنفًا أن هذا التقرير لحجيّة أخبار الآحاد