للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: من ذهب إلى إنكار النعيم والعذاب على البدَنِ. وقَصر ذلك على الرُّوح؛ كالفلاسفة بناءً على أصْلهم في إنكار المَعادِ الجسمانيّ (١) .

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: ( ... قولُ من يقول: إنّ النعيمَ والعذابَ لا يكون إلا على الرُّوح، وأنّ البدن لا يُنَعَّمُ ولا يُعذَّبُ. وهذا يقولُه الفلاسفةُ المنْكِرون لِمَعادِ الأبدان. وهؤلاء كُفّارٌ بإجماع المسلمين) (٢) .

وقد وافَقَهُم - فيما ذهبوا إليه - مِنْ أهل العلم: ابنُ عقيلٍ الحنبلي، وابنُ الجَوزيّ (٣)، وابنُ حزْم - رحمهم الله -؛ فأنكروا أن يكون العذاب والنعيم لبدنِ الميت مع روحه. وقال ابنُ حزْمٍ بإِثباتِ تلك الأمور على " الرُّوح " فقط. قال: (فتنة القَبْر وعذابه، والمُساءَلة: إنَّما هي للروح فقط، بعد فراقه للجسد إِثْر ذلك؛ قُبِر، أو لم يُقبَر) (٤) .

وقال أيضًا: (" فصْلٌ " وأنّ عذابَ القَبْر حقٌّ، تلقّاهُ الأرواحُ بعد فراقها للأجساد، وهي المسئولة المُجِيبَةُ) (٥) . وسيأتي - بحول الله - بيانُ شُبهتِهم التي دعتهم إلى هذه الأقوال المخالِفة لدلالة الأخبار على ثبوت العذاب والنعيم، للروح والبدن.

والذي ينبغي توجيهُ النظر إليه: أن ابنَ حزْمٍ - رحمه الله - وإنْ وافقَ الفلاسفةَ في إنكار حصول العذاب والنعيم، ووافقهم في أصل الشبهة - التي سيأتي ذِكرُها - للبدن = إلاّ أنه - رحمه الله - لم يوافقهم في أصلهم الباطل؛ وهو: إنكار المعاد للأبدان، الذي ساقهم إلى إنكار العذاب والنعيم للبدن مع الرُّوح = فإنّه يخالفهم في ذلك تمام المخالَفة؛ بل إنّه


(١) انظر:"المِلَل والنِّحَل" للشهرستاني (٥٣٨ - ٥٤٠)،و"تهافت الفلاسفة"للغزالي (٣٠٨) .
(٢) "حكم أهل القبور"لابن تيميَّة (٣٤) .
(٣) انظر: "أهوال القبور" لابن رجب (١٥٣) .
(٤) "الفَصْل" (٤/ ١١٧) .
(٥) "الدرة فيما يجب اعتقاده" (٢٨٢) .

<<  <   >  >>