للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

= فأجيزوا كذلك أنّ في عذاب الله - تعالى ذِكْرُه - ألمًا ولذّةً، وعلمًا في جسمٍ لا حياةَ فيه؛ وإنْ لم تكونوا عاينتم مثله فيما شاهدتُم) (١) .

وهذا القول من ابن جرير - رحمه الله - أراد به -والله أعلم - إلزامَ المُحيلين لوقوع العذاب أَو النَّعيمِ على بدن المقبور لِمُفارقةِ الحياةِ البدنَ؛ أنَّه كما أجزتم بقاء الحياة في الجسم الَّذي تَحْرِقُه النَّارُ في حال إحراقه تصديقًا منكم لخبر الله؛ ولأنَّ العقل لا يُحيله مع أنَّكم لم تُعاينوه في الشاهد=فيلزمكم كذلك التصديق بحصول الألم أو اللَّذة لبدن المقبور مع مفارقة الحياة المعهودةفي الدُّنيا له؛ فإن منعتم فأقيموا الفرق بين ما أجزتموه ومنعتموه=ولافرقَ.

وحتَّى يستبين لك أنَّ ما ذكره الإِمام ابنُ جرير إنَّما كان على سبيل الإلزام لا التقرير =يحْسُن سوق كلامه ليتحرّر مرادُهُ - رحمه الله -: (قيل لهم: أَو كلُّ مالم تُشاهِدوه، أو تُعاينوه، أَو مثله =فغيرُ جائزٍ كَونُهُ عندكم؟.

فإن قالوا: نعم

قيل لهم: أَفشاهدتم جِسْمًا حيًّا لا تُفارِقُهُ الحياةُ بالاحتراقِ بالنَّارِ؟

فإن زعَمَوا أَنَّهم قد شاهدوا ذلك وعاينوه =أَكذبتهم المُشاهدةُ مع ادِّعائهم ما لايخفى كذبُهم فيه. وإن زعموا أَنَّهم لم يُعايُنوا ذلك ولم يُشاهدوه =قيل لهم: أَفتُقرُّون بأنَّ ذلك كائنٌ، أَم تُنْكِرونه؟

فإن زَعَمُوا أَنَّهم يُنْكِرونَه؛ خرجوا مِنْ مِلَّة الإِسلامِ بِتْكذيبهم مُحكم القرآن. وذلك أنَّ الله تعالى ذِكره قال فيه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} فاطر: ٣٦.

فإن قالوا: بل نُقِرُّ بأنَّ ذلك كائنٌ =قيل لهم: فما أنكرتم من وجود العلم وحِسِّ الأَلَمِ واللَّذةِ مع فَقْدِ الحياةِ؟ وإن لم تكونوا شاهدتم


(١) "التبصير في معالم الدين"لابن جرير الطبري (٢١٠) .

<<  <   >  >>