موجود، وأما ما أَمكنَ اجتماعه فهو خارج عن هذا المعنى، وبه يعلم
فيُعلم من ذلك أنَّ تفسيرهم إيّاه بـ"العدل" تفسيرٌ بالَّلازم، وذلك بالنَّظر إلى أنَّه أَثرٌ وناتج عن الميزان الحسِّي. ومهما يكن فالقول بأن مقصودهم بـ"الميزان"العدل يلزم منه نفي الميزان الحسِّي =احتمال ضعيف، والاحتمالات لا يُرفَع بها اليقينُ الثابتُ.
الوجه الثاني: لوسُلِّم بحصول هذه المخالفة، فإنَّ مخالَفة الَّلاحق لا تنقُض إجماعَ السابق. فإجماع الصحابة رضوان الله عليهم متحقّق قبل نشوء هؤلاء الأعلام، فخروجُهم عن مقتضى الإجماع خطأٌ ولا شكّ - إنْ صحّ أن مرادَهم نفي تحقق الوجود الحسِّي للميزان الذي يُنصُب يوم القيامة -.
وهذه المخالفة - على تقدير التسليم بصحتها - = ليست ناشئةً عن استبعادٍ عقلي؛ بل باعثُها الحَمْل على مقتضى اللغة. وقد قال الإمام الزّجّاجُ - رحمه الله -: (اختلف الناس في ذِكر الميزان .. وقال بعضُهم: الميزانُ: العدْلُ. وذهب إلى قولك: هذا في وزن هذا، وإن لم يكن مما يُوزَن. وتأويله: أنّه قد قام في النفس مساويًا لغيره، كما يقوم الوزن في مرآة العين. وقال بعضهم: الميزان: الكتاب الذي فيه أعمال الخلق. وهذا كله في باب اللغة، والاحتجاج سائغ؛ إلا أن الأَوْلى من هذا أن يُتَّبَع ما جاء بالأسانيد الصحاح. فإن جاء في الخبر أنه ميزانٌ له كفتان من حيث ينقل أهل الثقة = فينبغي أن يُقْبل ذلك .. )(١) .
فإن صح حمل ما ورد عن هؤلاء الأَعلام على أَنّه مَنعٌ من تحقق الميزان الحسِّي لوزن الأعمال=فذلك خطأٌ ومخالفة لمقتضى النصوص؛ لكن يبقى الجزم بذلك مُتعذّرًا.