للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غالى في إثباتِه إلى حدٍّ جعَله كموازين الدنيا؛ كما تراه عند القاضي عبد الجبّار الهمداني - وهو من أساطين المعتزلة-؛ حيث قال: (أمّا وضع الموازين، فقد صرّح الله تعالى في محكم كتابه، قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} الأنبياء: ٤٧

إلى غير ذلك من الآيات التي تتضمن هذا المعنى، ولم يُرِدِ اللهُ تعالى بالميزان إلاّ المعقولَ منه، المُتعارَف فيما بيننا، دون العدلِ وغيرِه؛ على ما يقولُه بعضُ الناس. لأنّ الميزان، وإنْ وردَ بمعنى العدل في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} الحديد: ٢٥ فذلك على طريق التوسّع والمجاز، وكلامُ الله تعالى - مهما أمكن حَمْلُه على الحقيقةِ - لا يجوزُ أن يعدل به عنه إلى المجاز (١) .

يبيّن ذلك ويوضحه، أنه لو كان الميزانُ إنّما هو العدل لكان لا يثبت للثِّقَل والخِفّة معنى = فدلّ على أن المراد به: الميزان المعروف الذي يشتمل على ما تشملُ عليه الموازين فيما بيننا) (٢) .

نعم، لم يكن إثباتُ القاضي عبد الجبار للميزانِ إثباتًا مُبرَّءًا من كَدَر الابتداع، بل شابَ إثباتَه ما يكدّر على إثباتِه السابق، كما سيأتي ذِكْره - بحول الله تعالى -.

وأمّا الموقف الثاني: مَنْ ذهب إلى تأويل الميزان:

وقد استرْوَح إلى ذلك بعضُ الإِباضيّة. وسيأتي سَوْق أقوالهم -إن شاء الله-

وأمّا الموقف الثالث: مَنْ ذهب إلى إثبات الميزان، ونفْي وزْن الأعمال؛ بناءً على قيام الشبهة العقلية عندهم. وقد حكاه الأشعري عن


(١) وهذه قاعدة سديدة لم تطّرد عند القاضي عبد الجبار، بل زلّت به القدمُ في أبوابٍ شتّى من أصول الدين.
(٢) شرح الأصول الخمسة (٧٣٥) .

<<  <   >  >>