للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسبب هذه الإحالة أنّ العرض لو كان قائمًا بنفسه لجاز قبولُه العرض = وقيام العرض بالعرض مُحالٌ.

فيقال: أمّا قيام العرض بالعرض فليس مُحالًا بإطلاق؛ فالسّرعة والبطء عَرَضانِ قائمان بالحركة، والحركة عَرَضٌ = فدلّ على جواز قيام العرض بالعرض في الجُمْلة. ولذا خالف الرازي جمهور أصحابه، وقال بصحة قيام العرض بالعرض؛ لقوّة البرهان الدالّ على ذلك (١) .

فإذا كان عِلّة المنْع من قيام العرض بنفسه =إحالةَ قيام العَرَض بالعَرَض، فقد تبيَّن بُطلان الملزوم، فبطل بذلك لوازمه من منْع قيام العَرَض بنفسه، ومنع جواز وزن الأعراض.

وقد اختار بعض أهل العلم كابن قيِّم الجوزيَّة، وابن رجب الحنبلي؛ أنَّ الله يقلب الأعمال أجسامًا لِتوزن (٢) وقد نَصَر هذا القولَ الإمامُ جلال الدِّين السيوطي - رحمه الله -؛ بل أَرْبَى على ذلك بأنْ رأى أنّ حقيقة الأعراض في هذه الدنيا - وإنْ كانتْ في نظر العبادِ أعراضًا - مُجسّمة مُشَخَّصَةٌ عند الله تعالى. وفي تقرير ذلك يقول: (التحقيق الشامل لذلك، ولغيره: أنّ جميع المعاني المعقولة عندنا مُصوّرةٌ عند الله بصورة الأجسام، ومُشخّصة بصورة الأشخاص، وإنْ كنّا لا نحس ذلك؛ لكوننا محجوبين عنه .. ) (٣) .

وجنح إلى هذا القول أيضًا الإمامُ الصنعاني - رحمه الله - (٤) .


(١) انظر:"المباحث المشرقية"للرَّازي (١/ ٢٥٦ - ٢٥٧) .
(٢) انظر: ابن القيم في"حادي الأرواح" (٢/ ٨١٥ - ٨١٦)،و"فتح الباري"لابن رجب (٢/ ١٠٩ - ١١٠) .
(٣) من رسالته: المعاني الدقيقة في إدراك الحقيقة. نقل ذلك عنه الإمام الصنعاني في رسالته: "جمع الشتيت" (١٣٢) .
(٤) المصدر السابق.

<<  <   >  >>