والقول بتجسيد الأعمال لتُوْزَن - مع معقوليّته - إلاّ أنّ الأدلّة لا تُسعِف أصحابَها للقطع بأنّ مااختاروه هو مدلول هذه النُّصوص؛ وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أن القول بتجسيد الأعراض فيه تسليم ضمني-وإن لم يُقصد- من القائلين به بصحة بدعة امتناع قيام العرض بنفسه. ولا ريب أن البدعة لا تُردّ ببدعة أخرى.
الأمر الآخَر: أن المانعين من وزْن الأعمال لكونها أعراضًا: قاسوا الغائب - وهو: ما أخبرتْ به النصوص من وزْن الأعمال يوم القيامة - على الشَّاهدِ؛ حيث إنَّ الشاهدَ يمتنع فيه قيامُ العرض بِنفْسِه؛ فكذلك يجري الامتناع فيما أخبر به الكتاب والسُّنَّة، ممّا سيقع في اليوم الآخرِ من وزْن الأعمال. وهذا هو الأَصل الثَّاني الَّذي تفرَّعت عنه شُبهة استحالة وزن الأَعمال.
[بطلان الأَصل الثَّاني]
والقائلون بتجسيد الأعمال حقيقة قولهم موافَقَةُ المانعين في مادة هذا القياس وهذا القياس فاسدٌ من وجْهَين:
الأول: أنّهُ لا يُسلَّم بامتناع وزن الأعراض في الشاهد، فإنّ المنْع قد بُني بالنِّسبة لماتحصَّل لديهم في تلك الحِقبة من المعارف والعلوم. ولا ريبَ أن المعارف تلك لم تعد على حالها؛ بل اتّسعت اتساعًا لم تعْهدْ البشرية مثلَه من قبلُ، وفيما بلغت إليه هذه العلوم= ما يشهدُ بصحة ما أخبرتْ به النصوص، ونطق به الوحي. فهذه العلوم من أعظم الدلائل على ما جاءت به الشرائع. وإنّ مما جادت به قرائح البشر: أنْ وضعوا الموازين التي يقيسون بها الحرارة، والبرودة، وغير ذلك من الأعراض التي لم تكن البشرية تتصوّر من قبلُ إمكان وزنها؛ لكونها أعراضًا، والأعراضُ لا تقوم بنفسها!! فإذا كان المخلوق مع ما جُبِل عليه من