النقص، والجهل، وضعف القدرة = استطاع أن يزن الأعراض، أفليس الخالق القادرُ قادرًا على وزن ذلك من باب أَوْلَى؟!
الوجه الآخر: أنّه على فرْض تحقُّق استحالة وزْن الأعراض في الشاهد؛ فإنّ الذي لا ينطق عن الهوى أخبرَ بذلك، وقبوله متحتّم، وأمور الآخرة أحكامُها تختلف عن أحكام الدنيا، فهو من الغيب الذي يجبُ الإيمانُ به، وعدم إطلاق العقْل في مَسَارِحه؛ لعدم قدرته على شهود كيفيات هذه الأمور المُخبر بحصولها في الآخرة.
وممن جوّز وزن الأعراض وأنكر على المانعين والقائلين بتجَسُّدها= الشيخ محمد رشيد رضا فقال: (فإن الخَلَفَ المنتمين إلى مذاهب السنة خاضوا فيما خاض فيه غيرهم من تحكيم الرأي في أمور الغيب، فالمعتزلة أخطأوا في قياس عالَم الغيب على عالَم الشهادة، وإنكار وزن الأعمال بحجة أنّها أعراض لا تُوْزَن، وأنّ علمَ الله بها يغني عن وزنها. وردّ عليهم بعض المنتمين إلى السنة ردًّا مبنيًّا على أساس مذهبهم في قياس عالَم الغيب على عالَم الشهادة، وتطبيق أخبار الآخرة على المعهود المألوف في الدنيا، فزعموا أن الأعمال تتجسّد وتُوْزَن، أو توضع في صورة مجسّمة، أو أن الصحائف التي تُكتب فيها الأعمال هي التي تُوْزَن؛ بناءً على أنها كصحائف الدنيا؛ إمّا رَقٌّ - جِلْد -، أو وَرَقٌ.
والأصل الذي عليه سلف الأمة في الإيمان بعالَم الغيب = أن كلّ ما يثبت من أخباره في الكتاب والسنة فهو حقٌّ لا ريب فيه؛ نؤمن به، ولا نحكّم رأينا في صفته وكيفيته. فنؤمن إذًا بأن في الآخرة وزنًا للأعمال فقط، ونرجّح أنّه بميزان يليق بذلك العالم؛ يوزن به الإيمان، والأخلاق، والأعمال. لا نبحث عن صورته وكيفيته .. وإذا كان البشر قد اخترعوا موازين للأعراض؛ كالحرّ، والبرد، أفيعجزُ الخالق البارئ القادر على كلّ شيءٍ عن وضْع ميزانٍ للأعمال النفسية والبدنية المعبَّر