للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يمتنع مُضيّ شيء قبل شيء؛ لا إلى أوَّل =ولو جاز هذا لم يكن لنا فيما زعم سبيل إلى تثبيت حدوث الجسم، ويلزمنا نَفْي مُحْدِثِهِ بِنَفْيِنَا حَدَثَه إذ كان لا يعرف حِسًّا , وإنما يُعرف بأفعاله) (١) .

وقد اضطرب موقف بعض المتكلمين في هذه المسألة؛ فمع موافقتهم للأصل الذي انطلق منه الجهم، وهو امتناع حوادث لا نهاية لها؛ إلَاّ أنهم منعوا من طرد الدليل في المستقبل، ولهم في هذه المسألة موقفان:

الموقف الأَوَّل: من رأى أنَّ القياس يقتضي عدم التفريق بين منع تسلسل الحوادث في الماضي، وتسلسلها في المستقبل؛ إلَاّ أن ورود السَّمع بجوازه في المستقبل يوجب الامتناع عن طرد مقتضى هذا القياس!!

وممَّن قال بهذا القول: «ابن الزَّاغوني» من متكلمة الحنابلة؛ حيث يقول: (والجواب [أي على شبهة الجهم: أنّ كل مخلوق لا محالة له بداية ونهاية]: أن القياس يقتضي ذلك؛ لكن تركناه بالنصوص المقطوع بصحتها الواردة في القرآن) (٢) .

الموقفُ الثَّاني: وهو ما عليه جماهير المُتكلِّمين =فقد تناقضوا في هذه القضيَّة؛ فمع تسليمهم لأصل الدليل؛ إلا أنّهم فرّقوا بين الماضي والمستقبل بتفريق عليل , فقالوا: إن الماضي دخل في الوجود بخلاف المستقبل، والذي يمتنع هو دخول ما لا يتناهى في الوجود , لا تقدير دخوله شيئًا بعد شيء (٣) .


(١) "المصدر السابق".
(٢) "الإيضاح في أصول الدين" (٥٥٤) . وابن الزَّاغوني (٤٥٥ - ٥٢٧ هـ):هو علي بن عبيدالله بن نصر بن السَّري الزَّاغوني البغدادي، من أعيان الحنابلة وفقهائهم مُتفَنِّنًا في علوم شَتَّى، له تصانيف عديدة، منها"الواضح"،و"المفردات"=انظر:"السِّير" (١٩/ ٦٠٥)،و"الذَّيل على طبقات الحنابلة" (١/ ٤٠١) .
(٣) انظر:"حادي الأرواح" (٢/ ٧٢٥) .

<<  <   >  >>