للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولدهما. ثم بعد هبوطهما إلى الأرض جاءتْ الأولاد = فلم يكن آدم قد ظلم أولاده ظلمًا يستحقون به ملامةً. وكونهم صاروا في الدنيا دون الجنة = أمرٌ كان مقدرًا عليهم، لا يستحقون به لوم آدم) (١) . وهذا ما جاء الحديث بتقريره، فكيف يكون الحق الذي قرره النص ناقضًا ومبطلًا له؟!

وأما الجواب عن الاعتراض الرابع: فقد سَلَف القول في تفسيره، وبيان أنه لا يَرِد على الحديث.

وأَما استناد الجبرية على حديث المحاجة بالاحتجاج به على إسقاط الملامة عن العاصي، ولمعارضة الأمر والنهي بالقدر = فهو ناشئ عن أصلين فاسدين:

الأول: التسوية بين الوجودين: وجود الخالق تعالى، ووجود المخلوق. وهذا عند ابن عربي، ومن ينتحل مذهبه من متصوفة الجهمية.

الثاني: التسوية بين الإرادتين: الإرادة التكوينية، والإرادة الشرعية.

فأما بطلان الأصل الأوّل: فإنه من المُتقرِّر بداهةً شهود العبد للفرق بين وجوده الذي يحتاج فيه إلى ربٍّ يَسدُّ مَفَاقِرَه، ووجودِ خالقه الغني بنفسه. ولذا سمّى نفسه -جل وعز - بالقيوم؛ فهو القائم بنفسه، المستغني عن غيره، والمقيم لغيره؛ فلا قيام لغيره إلا به. المتصرف في خلقه بمشيئته وإرادته. وإذا كان الإنسان يعلم -ضرورةً- وَفْق قانون الهُويَّة الفرقَ بينه وبين غيره من بني الإنسان؛ فضلًا عن الفرق بين نفسه وبين سائر المخلوقات = فكيف لا يشهد الفرق بين وجود المخلوق المربوب المفتقر إلى ربه، ووجود خالقه -سبحانه وتعالى- الواجب، الممايز لخلقه؛ فأسماؤه - عز وجل - ثابتة له في الأزل، لم يستفدها من مخلوقاته. والجَمْع بين


(١) "مجموع الفتاوى" (٨/ ٣٢١) .

<<  <   >  >>