للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقتصرةً على إثبات القضايا الاعتقادية المغيّبة عنّا فحسب = بل هذه الضرورة هي الأساس الذي قامت عليه العلوم التجريبية.

وفي تقرير هذه الحقيقة العلمية يقول "كورنو" (١): (ما من ظاهرة، أو حادثٍ يحدث إلا وله سبب. ذلك هو المبدأ الموجِّه للعقل البشري، والمنظِّم لعملياته خلال البحث عن الحوادث الواقعيّة. قد يحدث أحيانًا أن يغيب عنّا سبب ظاهرةٍ، أو نتّخذ سببًا ما ليس بسببٍ؛ ولكن لا عجزنا عن تطبيق مبدأ السببية، ولا الأخطاء التي نقع فيها عند تطبيقه = بِقادِرَيْنِ على زعزعة إيماننا بهذا المبدأ الذي نعتبره قاعدةً مُطلقة ضروريةً) (٢) .

فوجود بعض الظواهر يكشف عن أسبابها؛ بالكشف عن هذا التلازم بين الظاهرة وسببها، ليتم صياغة القوانين التي من خلالها يمكن ضبط هذه الظواهر، وفهم الطريقة التي حدثت بها.

فسقوط الأجسام نحو الأرضِ بتسارُعٍ واحدٍ - مثلًا - ظاهرة وأثر، سببه ما أودعه الله في الأرض من جاذبية تجذبُ الأشياء إليها. أَمَّا حقيقةُ هذه الجاذبيَّة وكُنهها فأمْرٌ غيبيّ لا يدخل تحت سرادق البحث التجريبي. وهذا مطّردٌ في كافَّة القوى الطبيعية المكتَشَفة؛ كالقوى الكهربائية، والمغناطيسية، والنووية (٣) .

وأمّا القسم الثاني، فهو: الغيب المحض (=المتعقَّل):

وهذا القسم لا يَتأتَّى للعقل الاستدلال على قضاياه مباشرة، إذ العلم به متوقفٌ على خبر الصادق، وإّنما لم يمكن الاستدلال العقلي


(١) أنطوان أوجست كورنو (١٨٠١ - ١٨٧٧ م) مفكر فرنسي، وعالم رياضي. صاغ أول نظرية للمصادفة في الفكر الحديث، وأقام بناءً فلسفيا كاملًا على تصوّره للمصادفة. انظر: " السببية في العلم" (ص ١٥٨) .
(٢) " السببية والعلم" السيد نفادي (ص ١٥٨) .
(٣) انظر:"عقائد فَلْسفيَّة خلف صياغة القوانين الطبيعية": د. محجوب عبيد طه (ص ٢٢ - مقالة ضمن كتاب "إشكالية التحيّز") .

<<  <   >  >>