مباشرة، وذلك بأن يتوقف العِلْم بهذا الغيب على خَبَر الصادق الذي انتصبت البراهين العقلية على صدقه فيما أخبر به عن هذه الغيبيَّات. فليس الأمر مجرّد شأنٍ ذاتيّ يتعلّق بالذات العارفة؛ بل وجود هذه الحقائق الغيبيّة متحقق في الخارج، والآثار دالّة عليه.
فإذا تبيّنَ فسادُ هذا الأصل؛ عُلِم أنّ عقْد التلازم بين عدم العلم بِكُنْه وكيفيّة هذه الحقائق، وبين انتفاء وجودها = باطلٌ؛ لأَنَّ البدهيَّات العقلية، والخبرة الحسيَّة تأبى هذا التلازم.
فالجهل بالكيفية لا يلزم منه الجهل بالوجود؛ فضلًا عن انتفائه؛ لإمكان العلم بوجود شيءٍ دون التحقق من كيفيته = وإلاّ للزمهم التناقُض من جهتين:
الأولى: أن إثبات المحسوس - وهو المثبت الُمسبّب - دون سببه الغيبي تناقض؛ للضرورة العقلية القاضية بالتلازم المطّرد بين السبب ومسبّبه (١)، وإنْ خالف في ذلك أصحاب الوضعية في قصر مصادر المعرفة على الواقع المحسوس.
الجهة الثانية: أن إثباتهم التلازم بين الأثر المحسوس وسببه الغيبي في باب المكتَشَفات العلمية، دن ما يتّصل بالعقائد الغيبيّة = مَحْضُ تحكُّم يقضي العقلُ بتناقُض أصحابه.
وقد حاول بعضهم التنصّل من مأزق الوقوع في مناقضة الحقائق بإخفائه الباعث الحقيقي له على إنكار الغيبيّات، وأناط سبب إنكاره لما ورد به الوحي من غيبيّات؛ بكون قسم ممّا وردت به هذه الأحاديث طافحًا بالقَصَص التَّوراتي وبالإسرائيليّات، وقسمٌ آخر بالاتجاهات المذهبيّة والطائفيَّة التي سادت المجتمع العربي الإسلامي منذ وفاة