للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقل الفعّال في المرتبة الثالثة .. فثلاثة منها ليست أجسامًا؛ وهي: السبب الأول، والثواني، والعقل الفعّال ... فالأوّل هو: الذي ينبغي أن يُعتقَد فيه أنه هو الإله. وهو السبب القريب لوجود الثواني، ولوجود العقل الفَعَّال. والثواني هي: أسبابُ وجود الأجسام السماويّة، وعنها حصلت ظواهر هذه الأجسام. والثواني؛ هي: التي ينبغي أن يقال فيها الروحانيون، والملائكة، وأشباه ذلك .. والعقل الفعّال ذاته واحدةٌ أيضًا ... [و] هو الذي ينبغي أن يُقال: إنه الروح الأمين، وروح القُدُس، ويُسمّى بأشباه هذين من الأسماء) (١) .

والعقل الفعّال هو الذي يعبر عنه ابن سينا أحيانا بجبريل، أو الروح الأمين؛ الذي يتلقى عنه النبي الوحي بالفيض الصادر عن العقل الأول (الله) مرورًا بعقول التسعة إلى العقل الفعّال (العقل العاشر) المكلّف بما تحت فلك القمر، والذي يفيض على عقل النبي المُنْفعل، ثم إلى قوّته المتخيّلة.

وفي بيان ذلك يقول "ابن سينا": (فإذًا: النبي يسود ويرؤس جميع الأجناس التي فَضَلَها، والوحْي هذه الإفاضة، والمَلَك هو هذه القوة المقبولة المفيضة؛ كأنها عليه إفاضة متصلة بإفاضة العقل الكُلّي، مُجْراة عنه؛ لا لذاته، بل بالعرض .. ) (٢) . ونعت ابن سينا ما يسميه بـ"العقل الفعَّال"بجبريل أو الروح الأمين إنّما هو تلبيس وإيهام منه بأنّ التلقي من العقل الفعال والاتصال لا يكون إلاّ للأنبياء، في حين أنّه يقرر في موطن آخر بأنّ ذلك حاصل لنفوس البشر جميعا، فتراه يقول: (والذي عليه المشرقيُّون أنَّ الاستكمال التَّام بالعلم إنّما يكون بالاتصال بالفعل بالعقل


(١) "كتاب السياسة المدنية" (٣١ - ٣٢) .
(٢) "رسالة في إثبات النبوات وتأويل رموزهم وأمثالهم" (١٢٤ - ضمن تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات) وانظر كذلك: " آراء أهل المدينة الفاضلة" (١٧٣، ١٧٧، ١٧٨) .

<<  <   >  >>