للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفعَّال. نحن إذا حصَّلنا الملكة ولم يكن عائق =كان لنا أن نتصل به متى شئنا، فإنَّ العقل الفعال ليس مما يغيب ويحضر، بل هو حاضرٌ بنفسه، وإنّما نغيب نحن عنه بالإقبال على الأمور الأخرى، فمتى شئنا حضرناه) (١)

وقد ذهب قريبًا مما ذهب إليه الفلاسفةُ =الشيخ محمد عبده حيث جعل مدلول "الملائكة" نوازع الخير، وأنكر أن تتمثل بالتماثيل الجسمانية، وفي ذلك يقول: (إنَّ إلهام الخير والوسوسة بالشَّر مما جاء في لسان صاحب الوحي [- صلى الله عليه وسلم -] وقد أُسندا إلى هذه العوالم الغيبيَّة وخواطر الخير التي تُسمَّى إلهامًا، وخواطر الشَّرِّ التي وسوسة كل منهما محلُّه الرُّوح، فالملائكة .. إذن أرواح تتصل بأرواح النَّاس فلا يَصحُّ أن تتمثَّل الملائكة بالتماثيل الجسمانية المعروفة لنا) (٢)

والحامل لهؤلاء الفلاسفة على جعْل الملائكة "عُقُولًا"،و"قُوىً"،و"روحانيات" .. إلخ. هو إرادتهم التوفيق بين ما تلقّوه عن أسلافهم من فلاسفة حرَّان الصابئة عَبَدَة الكواكب ومن غيرهم، القائلين بـ"العقول العشرة" وأنها قديمةٌ أزليّة، وبين ما دلّ عليه الكتاب والسنّة من إثبات وجود الملائكة، وأن لها وظائفَ ومقاماتٍ = فلم يحالفهم التوفيق في هذا التلفيق!!

وأمَّا محمد عبده فإنَّ معضلته التي ساقته إلى هذه المَزَالقِ =افتتانُه بالحضارة الغربيّة التي عاين بعض معطياتها مما أحدث عنده حالة من الانهزامية والاستلاب أمام هذا المُنجز الغربي، فراح يطوع دلائل الشَّرع لتتوافق مع العقليَّة الغربيَّة الماديَّة.


(١) "التعليقات على حواشي كتاب <النفس>لأرسطو"لابن سينا (٩٥ - ضمن أرسطو عند = =العرب، دراسة ونصوص غير منشورة) .
(٢) "تفسير المنار" (٢٦٧) .

<<  <   >  >>