للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ثبت بالضَّرورة الشرعية أن الملائكة المُخْبَر عنها في الشَّرع، تخالف في حقيقتها المعاني التي يقصدها هؤلاء الفلاسفة؛ من وجوه:

فمنها: أنه قد ثبت بالنَّصِّ والإجماع أنهم مخلوقون مرْبوبون. والمتفلسفة يزعمون أن العقل الأوّل ربُّ كل ما سوى الربّ عندهم (١) . وأن العقل العاشر المسمّى بـ" العقل الفعّال" هو ربٌّ ومُبدِع كلّ ما تحت فلك القمر (٢) . ومعلومٌ كُفْر هذا القول الذي لم يقل به أحدٌ من اليهود والنصارى ومشركي العرب (٣) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (والملائكة من الأعيان، لا من الأعراض؛ فهي من المخلوقات باتفاق المسلمين، وليس بين أهل الملل خلاف في أن الملائكة جميعهم مخلوقون، ولم يجعل أحد منهم المصنوعات نوعين: عالمَ خلْق، وعالَم أمْر = بالجميع عندهم مخلوق. ومن قال: إن قوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} الأعراف: ٥٤ أريد به هذا التقسيم الذي ذكره = فقد خالف إجماع المسلمين) (٤) .

الوجه الثاني: أنّ ما زعموه من الجواهر الروحانية، والعقول والنفوس=لا يخرج عن كونه وجودا ذاتيًا لا موضوعيًا، والملائكة المُخبَر عنها في الشرع لها وجودٌ في الخارج، وقد أخبر الله عن مجيئهم إلى إبراهيم عليه السلام، وخطابهم له في صورة البشر أحيانًا، فقال جلّ وعلا: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠)} هود.


(١) انظر: " الرد على المنطقيين" (ص ١٠٢) .
(٢) انظر: "دقائق التفسير" (٦/ ٤١٦) .
(٣) انظر: " الرد على المنطقيين" (١٢) .
(٤) "بغية المرتاد" (٢٣١ - ٢٣٢) .

<<  <   >  >>