للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- قال ابن القطان - رحمه الله -: (وأجمع المسلمون من أهل السّنة على الإيمان بالجنّ، وعلى أنّ لهم ثوابًا وعقابًا، وعلى أنهم مأمورون، مكلَّفون. أجمعوا على أن الجنّ يأكلون، ويشربون، ويجامعون، ويُولَد لهم. وأجمعوا على أن لإبليس ذرّيّة. وأجمعوا على أن الشياطين أمكنهم الله تعالى من أن يتجوّل أحدهم وينتقل من حالٍ إلى حال، فيتمثّل مرّة في صورة، ثم مرة في أخرى، ومرّة يصل إلى السماء فيسترق السمع، ومرة يصل إلى قلب ابن آدم فيوسوس له، ومرة يجري من ابن آدم مجرى الدم. وأجمعوا على أن الإيمان بأن الشياطين تتخبّط مِن بني آدم مَن سلّطها الله عليه، وأمْكنها منه كما شاء، وكيف شاء) (١) .

وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (هذا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عليه بين الصَّحابة والتَّابعين لهم بإحسان، وأَئمَّةِ المسلمين، وسائر طوائف المسلمين أهل السنة والجماعة، وغيرهم = لم يخالف أحدٌ من طوائف المسلمين في وجود الجنّ، ولا في أنّ الله أرسل محمّدًا - صلى الله عليه وسلم - إليهم. وجمهور طوائف الكفّار على إثبات الجنّ. أمّا أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهم مقرّون بهم كإقرار المسلمين، وإنْ وُجد فيهم من ينكر ذلك) (٢) .

فالعلمُ القَطْعيُّ حاصلٌ بوجودِ الجنِّ، وبتكليفِهِم. وهذه القطعيَّة هي مُحصَّلُ ضرورتين: الضرورة السمعيَّة. كما سبق إيراده من دلائل الكتاب والسنة، وما ترتب عليهما من الإجماع؛ بل قد تواترت أخبار الأنبياء بذلك (٣) . فالعِلمُ بوجودهم من هذه الحيثية هو من العلم العام، الذي لا يختصُّ بمعرفته طائفة من الناس، دون أخرى.


(١) "الإقناع" (١/ ٣٦ - ٣٨) .
(٢) "إيضاح الدلالة في عموم الرسالة"لابن تيمية (٢/ ٩٩ - ١٠٠ - ضمن مجموعة الرسائل المنيرية) وانظر له: "الصفدية" (١/ ٢٤١) و "الرد على المنطقيين" (٤٧٠) .
(٣) انظر في بيان ذلك: "إيضاح الدلالة" (١٠٠) .

<<  <   >  >>