الملاحدة، وغيرهم، ونازع في آحادها من نازع من المِلّيّين المقرِّين في الأَصل بالكمال المطلق لله عز وجلّ. مع كون بعضِ آحاد الصفات مدلولًا عليه بدلالة العقلِ أيضًا؛ كصفة العلوّ.
وامتناع اجتماع النقيضين ضرورة عقليَّة، ومع ذا نازع فيها مَن نازع من المنتسبين للفلسفة والكلام. فعُلم بذا بُعد ما ذهب إليه القاضي من سدّ طُرق الاستدلال على وجود الجن؛ إلا من طريق السمع، مع كون استفاضة السمع بذلك يُعدّ ضرورة مستقلة؛ فكيف إذا تعاضد برهان السمع مع العقل؟
فهاتان ضرورتان ينضاف إليهما = انتفاء الدليل المعارض لهما , ومع توافر هذه الضرورات على إثبات وجود الجنّ؛ إلاّ أَنَّ طوائف من الملاحدة المتفلْسِفة، وغيرهم؛ كالوضْعيين، والمنتسبين للقاديانية، وبعض طوائف أهل القبلة = خالفوا مقتضى الضَّرورة، فأنكروا وجود الجنّ رأْسًا؛ لعدم شهود الحِسّ لهم.
قال إمام الحرمين:(اعلموا -رحمكم الله - أن كثيرًا من الفلاسفة، وجماهير القدرية أنكروا الشياطين والجنّ رأْسًا، ولا يبعد لو أنكر ذلك من لا يتدبّر، ولا يتثبت بالشريعة = وإنما العجب من إنكار القدرية، مع نصوص القرآن، وتواتُر الأخبار، واستفاضة الآثار)(١) .
و"القدرية" مصطلح ليس مختصًّا بالمعتزلة؛ بل أوسع مدلولًا من ذلك. فالمعتزلة من القدرية، وليسوا كل القدريّة؛ لدخول طوائف أخرى تحت هذا المصطلح، مع تميّز المعتزلة بأصولها المختصة بها. فلا أدري هل كان يعني الجويني بـ"جماهير القدرية" المعتزلةَ، أم غيرهم؟ والَّذي يظهر أَن مقصده هو الأوَّل؛ ذلك لعزوه في موطن آخر الإنكارَ إلى معظم
(١) "الشامل" للجويني نقلًا عن: "آكام المرجان" (ص ١١) ولم أجدْه في الجزء المطبوع من الشامل.