للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعتزلة، فقال: (وقد أنكرهم معظم المعتزلة، ودلّ إنكارهم إيّاهم على قلّة مبالاتهم، وركاكة ديانتهم؛ فليس في إثباتهم مستحيل عقليّ. وقد نصّت نصوص الكتاب والسنة على إثباتهم، وحُق على اللبيب المعتصم بحبل الدين أن يثبت ما قضى العقل بجوازه، ونصّ الشّرع على ثبوته) (١) .

وأئمة المعتزلة على إثبات وجودهم؛ كما هو ظاهر من كلام القاضي عبد الجبار الآنف ذِكره. ومما يدل على إثباتهم - أعني: أئمتهم - للجن: ما حكاه عنهم أبو الحسن الأشعري في "مقالاته" من إقرارهم بتكليف الجنّ (٢) . وقد حَكَى أيضًا عن النَّظَّام وأكثرِ المعتزلة منعَهم أن تخدم الجنُّ الناسَ بشيء، أو تخبرَهم بما لا يعلمون؛ لأن في ذلك فساد دلائل الأنبياء (٣) . ولا شكّ أن منعهم لا يتأتّى إلا بإثبات وجودهم.

ومما يوطّد ذلك أيضًا: أن " الجاحظ" - وهو من رؤوس المعتزلة الكبار - أثبت وجود الجنّ والشياطين، وردّ على مَن أنكرهم وأنكر استراقهم للسمع (٤) . وهو وإن كان قد يقع له في بعض الموارد الإنكار لبعض ما يزعمه العرب في جاهليتهم، ولبعض أحوالهم - أي: الجن - = إلاّ أنه مُقرّ في الجملة بوجود هذا الخلق؛ كما هو لائحٌ لمن طالع كُتبه.

ولذلك كله بيَّن شيخُ الإسلام - رحمه الله - أَنَّ طوائف المعتزلة الثابت عنهم الإقرار بوجود الجن، وإن كان يقع لهم في بعض المقامات إنكار بعض أحوالهم. وفي تقرير ذلك يقول:

(وأنكر طائفة من المعتزلة؛ كالجبائي، وأبي بكر الرازي، وغيرهما دخولَ الجنّ في بدن المصروع، ولم ينكروا وجود الجنّ؛ إذ لم يكن


(١) "الإرشاد" (٣٢٣) .
(٢) "مقالات الإسلاميين" (ص ٤٤٠) .
(٣) "المصدر السَّابق" (ص ٤٣٧) .
(٤) انظر: " الحيوان " (٦/ ٢٦٤ - وما بعدها) .

<<  <   >  >>